المسلم صادق في قوله وفعله، ولا يلجأ للحلف إلاّ في عظائم الأمور، وإذا حلف فلا يحلف إلا بالله ، والحلف بغيره فإنما يدل على جهل أو شرك.
والمؤمنُ الصادق المستقيم المهتدي بهُدى ربه ـ جَلَّ جلاله ـ لا يرى نفسه مُحتاجًا إلى الحلف أو الإكثار منه، ولذلك هو يصون لسانه عن الحَلف ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، ولا يحلف إلا إذا لزم الحلف؛ لأن الله ـ تبارك وتعالى ـ حَذَّرَ مِن كَثْرة الحلف، فقال في سورة البقرة: (وَلَا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الآية:224). وقال في سورة القلم: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) (الآية:10)
ما حكم الحلف بغير الله تعالى:
يقول الشيخ الدكتور أحمد الشرباصي الأستاذ بجامعة الأزهر رحمه الله:
الحلف إنما يكون بما له عَظمة وجَلالَة، ولا شك أن الله ـ تبارك وتعالى ـ وهو العلي الكبير، وهو أعظم من كُلِّ عَظِيم، وأجلُّ مِن كُلِّ جَلِيل، ولذلك قال الفقهاء إن الحلف ـ إن وقع ـ يكون بالله ـ تعالى ـ أو باسم من أسمائه؛ لأنه يجب على كل مُسلم تعظيم الله، ولا يجوز له هَتك حُرْمَة اسمه أصلًا، فإذا لَزِمَ الحلف كَان عَلى هذه الصورة، حتى يَرْتَدِعَ الحَالِف عن الكذب عند حَلِفِهِ؛ لأنه يحلف بالله ـ جل جلاله.
والدليل على أن الحلف يجوز بالله، أو باسم من أسمائه، ولا يجوز الحلف بغيره، سواء أكان هذا الغير إنسانًا أم حيوانًا أم نباتًا أو جمادًا هو قول الرسول ـ ﷺ ـ: “مَن كان حالِفًا فليحلفْ بالله أو ليصمُت” وعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي ـ ﷺ ـ أدرك عمر ـ رضي الله عنه ـ في ركب وهو يحلف بأبيه، فناداهم رسول الله وقال: “ألا إنَّ الله عَزَّ وجلّ ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت. قال عمر: فوالله ما حَلَفتُ بها منذ سمعت رسول الله ـ ﷺ ـ ينهي عنها ذاكرًا ولا آثرًا ـ وذاكرًا: أي من قبل نفسي، وآثرًا: أي حاكيًا عن غيري.
وسمع ابن عمر رجلًا يحْلِف ويقول: لا والكعبة، فقال: سمعت رسول الله ـ ﷺ ـ يقول: “مَن حَلَفَ بغيرِ اللهِ فَقَد أَشْرَكَ”. وهذا على سبيل الزجر والتنفير. وقد روى هذا الحديث أبو داود والترمذي وأحمد بسند حسن.
وروى أبو داود: “مَن حَلَفَ بالأمانةِ فليس مِنا” أي ليس على طريقتنا الكاملة.
وما دام الحلف يقتضي تعظيم المحلوف عليه فليتذكر الحالف أن حقيقة العظمة مُخْتصة بالله ـ جلّ جلاله ـ فالذي يحتاج إلى الحلف يحلف بالله، أوبذاته، أو بصفة من صفاته، ولا يعترض مُعترض بأن القرآن قد أقسم بالضحى والليل، ونحو ذلك، فإن النَّهي عن الحلف بغير الله يتعلق بالعباد.
هل يجوز كثرة الحلف بالله تعالى:
ليس معنى هذا أنه يجوز للإنسان أن يُكثر من الحلف ما دام يحلف بالله ـ عز وجل ـ فإن الدين ينهى عن كثرة الحلف مُطْلقًا، والرسول يقول مثلاً: “إياكم وكثرةَ الحلف في البيع فإنه يُنفِّق ثم يَمْحَق” أي يُرَوِّج البضاعة لكنَّه يُضَيِّع البَرَكَة . والله الهادي إلى سواء السبيل.أ.هـ