عاقبة كل إنسان لا يعلمها إلا الله تعالى وحده، وله وحده تعالى ملك السموات والأرض ، يعذب من يشاء ويرحم من يشاء ويغفر له، وهو على كل شيء قدير، وهو سبحانه وتعالى لا يظلم مثقال ذرة ، إن عذب الخلق جميعا فبعدله، وإن رحمهم فبفضله، ولن يدخل أحد الجنة ولا ينجو من النار بعمله ، وإنما بفضل الله تعالى ورحمته.
كما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: ( قاربوا وسددوا واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله) قالوا: يا رسول الله ولا أنت؟ قال: (ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل)، ولكن الله تعالى يكتب رحمته للمتقين الذين يعملون الصالحات ويخافونه وإليه يتوبون ، وفي الخيرات يسارعون.
وهناك أمارات يمكن للمسلمين أن يشهدوا من خلالها أو بناء عليها للمسلم بالخير ، فإذا ظهر من أمره الخير فلهم أن يشهدوا له ويزكوه ، ولكن دون الجزم بعاقبته، فربما ظهر من شخص الصلاح وهو في الحقيقة فاسد، أو الإيمان وهو منافق، وربما ظهر أنه فاسد وبينه وبين الله خير، فالله تعالى وحده هو الأعلم بالمؤمنين حقا، كما قال تعالى : ( والله أعلم بإيمانكم) وهو وحده الأعلم بالمتقين من المؤمنين ، كما قال تعالى : ( فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى).
وقد ورد عن النبي ﷺ أن من مات وشهد له بعض المسلمين بالصلاح وأنهم لا يعلمون من أمره إلا خيرا غفر الله له، وكانت عاقبته عند الله تعالى خيرا.
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي :
الناس شهداء الله في الأرض، وكما قيل: ألسنة الخلق أقلام الحق، وكما قال النبي ﷺ للصحابة في جنازة مرت فأثنوا عليها خيرا فقال: “وجبت”، وأخرى أثنوا عليها شرا” فقال: “وجبت”، فقال عمر بن الخطاب: ما وجبت؟ قال: “هذا أثنيتم عليه خيرا، فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض”.
وقال عليه الصلاة والسلام: “ما من مسلم يموت يشهد له أهل أربعة أبيات من جيرانه الأدنين: إنهم لا يعلمون إلا خيرا، إلا قال الله: قد قبلت علمكم فيه، وغفرت له ما لا تعلمون”. (انتهى).
فيستحب الثناء على من علم من أمره خيرا، خاصة بعد الموت، لقوله ﷺ : ( اذكروا أحاسن موتاكم)، يكره مدحه أمامه حيا إن خشي عليه الفتنة والعجب بنفسه.
وعلامات حسن الخاتمة كثيرة، وقد تتبعها العلماء رحمهم الله باستقراء النصوص الواردة في ذلك، و نورد هنا بعضا منها:
1- النطق بالشهادة عند الموت، ودليله ما رواه الحاكم وغيره أن رسول قال : (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة)
2-الموت برشح الجبين، أي : أن يكون على جبينه عرق عند الموت، لما رواه بريدة بن الحصيب أن رسول الله قال: (موت المؤمن بعرق الجبين) رواه أحمد والترمذي.
3-الموت ليلة الجمعة أو نهارها لقول رسول الله : (ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر).
4-الاستشهاد في ساحة القتال في سبيل الله، أو موته غازيا في سبيل الله، أو موته بمرض الطاعون أو بداء البطن كالاستسقاء ونحوه، أو موته غرقاً، ودليل ما تقدم ما رواه مسلم في صحيحه عن النبي ﷺ أنه قال: (ما تعدون الشهيد فيكم؟ قالوا: يا رسول الله ، من قتل في سبيل الله فهو شهيد، قال: إن شهداء أمتي إذا لقليل قالوا: فمن هم يا رسول الله ؟ قال: من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد، والغريق شهيد).
ومنها: الموت بسبب الهدم، لما رواه البخاري ومسلم عنه قال رسول الله : (الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله) .
5- موت المرأة في نفاسها بسبب ولدها أو هي حامل به، ومن أدلة ذلك ما رواه الإمام أحمد وغيره بسند صحيح عن عبادة بن الصامت أنه قال: قال رسول الله : أخبر عن الشهداء، فذكر منهم: (والمرأة يقتلها ولدها جمعاء شهادة، يجرها ولدها بسرره إلى الجنة) يعني بحبل المشيمة الذي يقطع عنه.
6- الموت بالحرق وذات الجنب، ومن أدلته أنه رسول الله عدد أصنافاً من الشهداء فذكر منهم الحريق، وصاحب ذات الجنب: وهي ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن للأضلاع.
7-الموت بداء السل، حيث أخبر رسول الله أنه شهادة.
8-ما دل عليه ما رواه أبو داود والنسائي وغيرهما أنه قال: (من قتل دون ما له فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد) .
9-الموت رباطا في سبيل الله، لما رواه مسلم عنه قال: (رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان) . ومن أسعد الناس بهذا الحديث رجال الأمن وحرس الحدود براً وبحراً وجواً على اختلاف مواقعهم إذا احتسبو الأجر في ذلك .
10-الموت على عمل صالح، لقوله : (من قال لا إله إلا الله ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة، ومن تصدق بصدقة ختم له بها دخل الجنة) رواه الإمام أحمد وغيره.
( هذه العلامات مختصرة من كتاب “أحكام الجنائز: للشيخ محمد ناصر الدين الألباني).
واعلم أخي المسلم أن وقوع شيء من هذه العلامات للميت، لا يلزم منه الجزم بأن صاحبها من أهل الجنة، ولكن يستبشر له بذلك، كما أن عدم وقوع شيء منها للميت لا يلزم منه الحكم بأنه غير صالح أو نحو ذلك. فهذا كله من علم الغيب الذي تفرد به العليم الخبير .
ويكره ذكر مساوئ الناس ، ويحرم القطع بأن فلانا سيدخل النار، لما رواه مسلم في صحيحه أن رسول الله ﷺ حدث أن رجلا قال والله لا يغفر الله لفلان وإن الله تعالى قال ( من ذا الذي يتألى عليَّ أن لا أغفر لفلان! فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك) أو كما قال.
وقال الله تعالى ( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) المائدة:40.
وقال تعالى : ( وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) آل عمران: 129.
وقال تعالى : ( وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الفتح:14.
وقال تعالى : ( يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ) العنكبوت:21.
قال الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية:
قوله تعالى ” يعذب من يشاء ويرحم من يشاء ” أي هو الحاكم المتصرف الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون فله الخلق والأمر مهما فعل فعدل لأنه المالك الذي لا يظلم مثقال ذرة كما جاء في الحديث الذي رواه أهل السنن ” إن الله لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم . (انتهى).