من الحكمة أن يعلم المسلم أن الله ما شرع شيئا إلا وفيه مصلحة ، عرفها من عرفها ، وجهلها من جهلها ، والأصل أن يرضى المسلم بأمر الله وأن يكون وقافا عند حدود الله .
فإن حكم الخلوة بالمرأة الأجنبية في سيارة، أو مكتب، أو غيرهما؛ حكمه التحريم، حكمها التحريم بلا شك؛ لقول النبي ﷺ: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم متفق على صحته، وقوله ﷺ: لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم متفق على صحته.
وقوله ﷺ: لا يخلون رجل بامرأة؛ فإن الشيطان ثالثهما خرجه الإمام أحمد من حديث عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- بإسناد صحيح.
فليس للرجل أن يخلو بالمرأة، لا في مكتب، ولا في سيارة، ولا في غرفة، بل يجب عليه أن يحذر ذلك؛ لأن الشيطان قد يدعو إلى ما لا تحمد عقباه، ولهذا قال: فإن الشيطان ثالثهما هكذا قال ﷺ.
الحكمة من تحريم الخلوة بالأجنبية:
خلاصة ما قاله الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:
ولو كانت الخلوة بين الأقارب غير المحارم أن هذا أبعد لوساوس الشيطان ، لضعف النفوس البشرية ، وأحفظ للأسر من أن تنالها الألسن بالكلام ، وآكد للحفاظ على الروابط الاجتماعية بين الناس .
فمن الأمور التي حرمها الإسلام: خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه. وهي التي لا تكون زوجة له ولا إحدى قريباته التي يحرم عليه زواجها حرمة مؤبدة، كالأم والأخت والعمة والخالة .
وليس هذا فقدانا للثقة بهما أو بأحدهما، ولكنه تحصين لهما من وساوس السوء، وهواجس الشر، التي من شأنها أن تحوك في صدريهما، عند التقاء فحولة الرجل بأنوثة المرأة، ولا ثالث بينهما.
-وفي هذا قال رسول الله ﷺ: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها؛ فإن ثالثهما الشيطان.
-وفي تفسير قوله تعالى في شأن نساء النبي: (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب؛ ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) سورة الأحزاب:53.
يقول الإمام القرطبي: “يريد: من الخواطر التي تعرض للرجال في أمر النساء، وللنساء في أمر الرجال، أي أن ذلك أنفى للريبة وأبعد للتهمة أقوى في الحماية. وهذا يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يثق بنفسه في الخلوة مع من لا تحل له، فإن مجانبة ذلك أحسن لحاله، وأحصن لنفسه، وأتم لعصمته”.
الخلوة بالأقارب غير المحارم:
يحذر الرسول هنا تحذيرا خاصا من خلوة المرأة بأحمائها (أقارب زوجها) كأخيه وابن عمه؛ لما يحدث عادة من تساهل في ذلك بين الأقارب، قد يجر أحيانا إلى عواقب وخيمة، لأن الخلوة بالقريب أشد خطرا من غيره، والفتنة به أمتن، لتمكنه من الدخول إلى المرأة من غير نكير عليه، بخلاف الأجنبي.
ومثل ذلك أقارب الزوجة من غير محارمها كابن عمها وابن خالها وابن خالتها، فلا يجوز لأحد منهم الخلوة بها.
قال عليه الصلاة والسلام: “إياكم والدخول على النساء. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو ؟ قال: الحمو الموت. وحمو المرأة: أقارب زوجها.
يعني أن في هذه الخلوة الخطر والهلاك؛ هلاك الدين إذا وقعت المعصية، وهلاك المرأة بفراق زوجها إذا حملته الغيرة على تطليقها، وهلاك الروابط الاجتماعية إذا ساء ظن الأقارب بعضهم ببعض.
وليس مثار هذا الخطر هو الغريزة البشرية، وما تجلبه من خواطر وانفعالات فحسب، بل يضاف لذلك الخوف على كيان الأسرة ومعيشة الزوجين وأسرارهما أن تتطاول إليها ألسنة الثرثارين والفضوليين أو هواة تخريب البيوت.
وفي ذلك يقول ابن الأثير: (الحمو الموت) هذه كلمة تقولها العرب، كما تقول (الأسد الموت) و (السلطان النار) أي لقاؤهما مثل الموت والنار، يعني أن خلوة الحمو معها أشد من خلوة غيره من الغرباء، لأنه ربما حسن لها أشياء، وحملها على أمور تثقل على الزوج، من التماس ما ليس في وسعه، أو سوء عشرة، أو غير ذلك. ولأن الزوج لا يؤثر أن يطلع الحمو على باطن حاله، بدخول بيته.انتهى