للأم فضل عظيم على الإنسان ، وقد جاءت آيات كثيرة في القرآن تحث الإنسان على البر بالأم خاصة وبالوالدين عامة ، ولو حدث سوء فهم فيمكن معالجته بهدوء مع التزام الأدب في حضرة الوالدين .

ما هو حق الأم على ابنها:

يقول الشيخ محمد صالح المنجد:
للأم على ولدها حقوق كثيرة وكبيرة لا يحصيها المحصي ولكن نذكر منها :
1 – حبها وتوقيرها في النفس والقلب ما استطاع لأنها أحق الناس بحسن صحبته .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى رسول الله فقال : يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أمك ، قال ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : ثم أبوك ” . رواه البخاري ( 5626 ) ومسلم ( 2548 ) .
فهي التي جعلت بطنها لك وعاء وثديها لك سقاء ، فحبها لازم ولا بد ، والفطرة تدعو إليه ، بل إن حب الأولاد لأمهاتهم وحب الأمهات لأولادها فطر الله عليه البهائم والدواب ، فبنو البشر أولى بذلك والمسلمون أولى بذلك كله .
2 – الرعاية والقيام على شؤونها إن احتاجت إلى ذلك بل إن هذا ديْن في عنق ولدها . أليست قد رعته طفلاً صغيراً وسهرت عليه وكانت تصبر على أذاه .
قال تعالى { ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً } ( الأحقاف / 15 ) . بل إن ذلك قد يقدّم على الجهاد إن تعارض معه .
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى النبي فاستأذنه في الجهاد فقال له رسول الله : أحيٌّ والداك ؟ قال : نعم، قال : ففيهما فجاهد . رواه البخاري ( 2842 ) ومسلم ( 2549 ) .
3 –عدم الأذية وإسماعها ما تكره من القول أو الفعل .
قال تعالى : { فلا تقل لهما أفٍ } ( الإسراء / 23 ) .
فإذا كان الله تعالى حرَّم قول ” أف ” للوالدين : فكيف بمن يضربهما ؟!! .
4 – النفقة عليها إن أعوزت ولم يكن لها زوج ينفق عليها أو كان زوجها معسراً بل إن النفقة عليها وإطعامها عند الصالحين أحب إليهم من أن يطعموا أبناءهم .
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال : ” خرج ثلاثة يمشون فأصابهم المطر فدخلوا في غار في جبل فانحطت عليهم صخرة قال فقال بعضهم لبعض ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه فقال أحدهم اللهم إني كان لي أبوان شيخان كبيران فكنت أخرج فأرعى ثم أجيء فأحلب فأجيء بالحلاب فآتي به أبوي فيشربان ثم أسقي الصبية وأهلي وامرأتي فاحتبست ليلة فجئت فإذا هما نائمان قال فكرهت أن أوقظهما والصبية يتضاغون (( يبكون بصوت عالِ )) عند رجلي فلم يزل ذلك دأبي ودأبهما حتى طلع الفجر اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة نرى منها السماء قال ففرج عنهم …. ” . رواه البخاري ( 2102 ) ومسلم ( 2743 ).
5 – الطاعة والائتمار بأمرها إن أمرت بمعروف ، أما إن أمرت بشرٍّ كالشرك : فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
قال تعالى :{ وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً } ( لقمان / 15 ) .
6 – أما بعد موتها فيسن قضاء ما عليها من كفارات والتصدق عنها والحج أو الاعتمار عنها.
عن ابن عباس رضي الله عنهما :” أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي فقالت : إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها ؟ قال : نعم حجي عنها ، أرأيتِ لو كان على أمك ديْن أكنتِ قاضيته ، اقضوا الله فالله أحق بالوفاء”. رواه البخاري ( 1754 ) .
7 – وكذلك بعد موتها يسنّ برها بصلة من كانت تصله وتحترمه كأقاربها وأصدقائها .
عن عبد الله بن عمر أن النبي قال : ” إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ . رواه مسلم ( 2552 ) .

حقوق الولد على أمه:

أما الواجبات على الأم فهي :

1 – القيام على شأن الابن وهو طفل وإرضاعه وحضانته وهذا معلوم من فطرة الناس وهو متواتر عنهم من بدء الخليقة .
قال تعالى { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ….. } (البقرة / 233 ) .

2 – أن تربي الإبن تربيةً صالحةً وهي مسؤولة عنه يوم القيامة أمام الله لأنه من رعيتها وهي راعيته .
عن عبد الله بن عمر يقول : سمعت رسول الله يقول : ” كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته الإمام راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته قال وحسبت أن قد قال والرجل راع في مال أبيه ومسؤول عن رعيته وكلكم راع ومسؤول عن رعيته”. رواه البخاري ( 853 ) ومسلم ( 1829 ) .

هل يجوز تدخل الأم في حياة ابنها:

1-ليس لها الحق في اختيار ما يحب الإبن من المباحات التي لا سلطة لها عليه بها كالطعام والشراب والملبس والمركب ونحو ذلك .
2-وكذلك باختياره الزوجة التي يريد ـ إن كانت صالحة ـ ما دام أنه لم يعصِ الله في ذلك كله ، ومع ذلك فيُشرع له أن يرضيها حتى في اختيار الزوجة إذا أشارت عليه بأمر ليس فيه ضرر عليه .
3-وأما التدخل في شؤونه من جهة خروجه ودخوله المنزل أو السهر في الليل مع الرفقة الذين يصحبهم : فيجب على الوالدين كليهما أن يراقبا أولادهما في ذلك ليضبطوا الأمر ولا يضيع الأولاد مع رفقة السوء ، فإن أكثر ما سبّب للشباب الفساد رفقة السوء ، وفي هذا يقول الرسول : ” الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ” . رواه الترمذي ( 2387 ) وأبو داود ( 4833 ) .
والحديث حسَّنه الترمذي وصححه النووي كما في ” تحفة الأحوذي ” ( 7 / 42 ) .
4-وكذلك يراقبان ولدهما في وقت رجوعه إلى البيت وإلى أين يخرج لأنه لا يجوز لهما أن يتركا الحبل على غاربه للولد خصوصا إذا لم يكن صاحب استقامة .
5-وينبغي على الإبن أن يراعي منزلتهما وتوقيرهما وأخذهما بالصحبة الحسنة حتى وإن ضيقا عليه فيما أباح الله له ، فإنه أمرنا أن نصحب آباءنا بالصحبة الحسنة حتى ولو كانوا كفاراً يدعوننا إلى الشرك فكيف وهما لا يدعوننا إلا إلى شيء يظنان كل الظن أن الخير لنا فيه وإن كان في بعض ما يأمران به تضييق عليه في بعض ما يباح له .

فالأحسن أن يطيعهما وأن يصنع ما يريدان وينزل عند رغبتها وإن كان لا يجب عليه ولكن من باب التضحية والإيثار فإنهما أحق من يحسن إليهما وقد جعل الله تعالى طاعة الوالدين بعد عبادته مباشرة كما ذكر في كتابه وذلك بيانا لمنزلة بر الوالدين .

ما حدود تحكم وسلطة الأب على ابنه:

1-يكون للأب القرار الأخير في كل ما هو داخل في مسئوليته تجاه ابنه فهو الذي يقرر مثلا في أيّ مدرسة يدرس ولده الذي تحت نفقته.

2-وكذلك يكون للأب القرار في كل تصرّف يتعلّق بملكه مثل استعمالك لسيارته وأخذك من ماله وهكذا .
3-وأما الولد الكبير المستقل بنفسه ونفقته فإنّه يقرر لنفسه ما يريد مما أباحه الله ويُشرع له إرضاء أبيه ما لم يتعارض ذلك مع طاعة الله وعلى الولد أن يستمر في توقير أبيه مهما بلغ الولد من العمر وذلك من باب البر وحسن العشرة ، فقد روي عن ابن عمر أنه قال : ” ما رقيت سطح منزل أبي تحته ” .
4-وكذلك إذا أمر الأب ولده بمعروف أو بترك المباح فيُطاع ما لم يكن ضرر على الولد .

علاج الخلاف بين الإبن ووالديه:

أما كيف يخبر الإبن أبويه برغبته في مزيد من الحرية فإنّ ذلك يكون بالقول والعمل .
1 – أما العمل : فيكون بعد أن يثبت عملا وواقعا لوالديه بأنه لم يعد الصبي الذي يعهدا وأنه أصبح رجلاً قادراً على تحمل المسئولية ويتصرف أمامهما تصرف الرجال في مواقفه فإن هم رأو منه ذلك مرارا فسيثقوا به وسيستقيم أمره عندهم ويكبر مقامه في نفسهم.
2 – أما القول : فيكون بالحجة الواضحة والمناقشة الهادئة والقول اللين وضرب الأمثلة على مواقف الابن السليمة الصحيحة ، ولعل الله تعالى أن يشرح صدرهم لتعامله معاملة الرجل البالغ العاقل الراشد السوي ما دام كذلك .