كان للحضارة الإسلامية أثرها البارز من الناحية العقدية والدينية في الحضارات الأخرى، فوجدنا من ينادي في الغرب بتحريم عبادة الأوثان، ورفض الوساطة بين العبد وربه ,وغير ذلك من الأفكار التي يرفضها أهل الفطرالسليمة.
يقول الدكتور مصطفى السباعي أستاذ الشريعة بسوريا (رحمه الله ) في كتابه :من روائع حضارتنا:
فقد كان لمبادئ الحضارة الإسلامية أثر كبير في حركات الإصلاح الدينية التي قامت في أوروبا منذ القرن السابع حتى عصر النهضة الحديثة، فالإسلام الذي أعلن وحدانية الله وانفراده بالسلطان وتنزيهه عن التجسيم والظلم والنقص، كما أعلن استقلال الإنسان في عبادته وصلته مع الله وفهمه لشرائعه دون وساطة رجال الدين؛ كان عاملاً كبيرًا في تفتح أذهان الشعوب إلى هذه المبادئ القوية الرائعة، وقد كانت الشعوب يومئذ ترسف في أغلال من الخصام المذهبي العنيف والخضوع لسلطان رجال الدين على أفكارهم وآرائهم وأموالهم وأبدانهم! فمن الطبيعي وقد وصلت فتوحاته في الشرق والغرب إلى ما وصلت إليه، أن تتأثر الأمم المجاورة بمبادئه في العقيدة قبل كل شيء.
وهذا ما حدث فعلاً، إذ قام في القرن السابع الميلادي في الغربيين من ينكر عبادة الصور، ثم قام بعدهم من ينكر الوساطة بين الله وعباده، ويدعو إلى الاستقلال في فهم الكتب المقدسة بعيدًا عن سلطان رجال الدين ومراقبتهم، ويؤكد كثير من الباحثين أن ” لوثر” في حركته الإصلاحية كان متأثرًا بما قرأه للفلاسفة العرب والعلماء المسلمين من آراء في الدين و العقيدة والوحي، وقد كانت الجامعات الأوروبية في عصره لا تزال تعتمد على كتب الفلاسفة المسلمين التي ترجمت منذ عهد بعيد إلى اللاتينية، ونستطيع أن نؤكد بأن رفض الهيمنة الدينية على مؤسسات الدولة والشعب التي أعلنت في الثورة الفرنسية كانت وليد الحركات الفكرية العنيفة التي سادت أوروبا ثلاثة قرون أو أكثر، وكان لحضارتنا فضل في إيقاد جذوتها عن طريق الحروب الصليبية والأندلس، فالاحتكام يكون للمبادئ لا للأشخاص ذاتهم.