حرص الإسلام منذ البداية على أن يكون المسلم متميزًا ،وهو يستمد هذا التميز من تشريعات الإسلام نفسه،وكره الإسلام التبعية بلا وعي ولا عقل ،وهذا ما يحلله كثير من فقهاء الإسلام من الاتباع للغرب،أما الاستفادة من الآخرين ،فقد فتح الإسلام بابها،مادام فيها نفع للمسلمين.
هل الإسلام دين شامل للحياة
يقول فضيلة الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق رحمه الله:
للإسلام فِكْرتُه ونظامه ومَنطقه في السلام، وللإسلام فكرته ونِظامه ومنطقه في الحروب: أسبابها، والاستعداد لها، وبَعْثُ الرهْبة في نفوس الأعداء، وموقف الجندي فيها، ومُعاملة الأسرَى، وتحديد جزاء المُقبِل المُتفانِي، وعِقاب المُدْبِر المُتخلِّف، وللإسلام فِكْرته ونِظامه ومَنطقه في التجارة، مِن بيْع وشراء وكتابةِ عُقود. وللإسلام فكرته عن النظافة التي يُسمِّيها التطهُّر، أو الطهارة: طهارة النفْس، طهارة النِّيَّة، طهارة الضمير، طهارة الجسد، طهارة الثوْب وطهارة المكان.
لقد حدَّد الإسلام ونَظَّم كلَّ أمرٍ سواء في ذلك ما اتَّصل بالمادة أو ما اتصل بالأخلاق، أو ما اتصل بالغيْب، أعنِي ما وراء الطبيعة، ولقد وَصَلَ في ذلك إلى أُمورٍ غير مُتوقَّعة في نظام عامٍّ ككيفية الجلوس: الجلوس في الطرُقات، وفي الأماكن العامَّة، وفي غيرها وآداب ذلك، وتَدخَّل حتى فيما يراه الإنسان في أثناء سيْره، وما يجب عليه بصَدده، بل تَدخَّل حتى في أسماء الأشياء فالحروب سمَّاها: “الجهاد” والنظافة “الطهارة” فتدخُّله في الأسماء نفسها إنما كان الهدف منه السُّمُوَّ بها، وبمَوضوعاتها إلى مستوى إنساني روحي يُبعدها عن أن تكون فسادًا أو سببًا في فساد.
على أن تغيير الأسماء الهدف الإسلامي منه الجوهر، وليس الهدف منه الشكل كما يبدو لأول وَهْلَةٍ ففكرة: “الطهارة” تَستنكر فكرة الأناقة مِن أجل الإغْراء، وفكرة: “الجهاد” تَستبعد فكرة الحرْب من أجل السيطرة وامتصاص الدماء واستعباد الأمَم.
إذنْ للإسلام إصلاح في كل ميدان. وتنظيم في كل مجال. ووضَعَ القواعد لكل أمر. ووَضَعَ الأمور في نِصابها، سواء منها ما تعلَّق بالشخص نفسه، أو في صِلَتِه بأُسرته، أو في صلته بالمجتمع الذي يعيش فيه، أو العالَم الذي يُحيط به ذلك هو الإسلام.
العلاقة بين الجنسين في الإسلام
ليس مِن الغريب ـ والأمر كذلك ـ أن يتحدَّث القرآن عن الحياة الجنْسية، والحياة الجنسية تحتلُّ في عالَمنا الحاضر مكانًا كبيرًا، فالكتب فيها تُؤلَّف بكثرةٍ، وتَنْتَشِرُ على نِطاقٍ واسع، بعد أن يُطبع منها الآلاف.
بيد أن السِّمَةَ الغالبة عليها إنما هي اللهْوُ والعبَث وإثارة الغَرائز، ولهذا الطابَع نفسه نالت رَواجًا كبيرًا، فالفتاة تَقرؤها في خِدْرِها مُتخفِّيةً، والشاب المُراهق يلتهم صفحاتها الْتهامًا.
وفي المساء ـ عندما يَستلقي كل مِنهم على فِراشه تأخذ الفتاة ويأخذ الفتى في أحلام اليَقظة المُتصلة بما قرأ.
مِن أجل ذلك حاول المُصلحون أن يقوموا في وجه هذا الفساد الذي يَسري بسرعة، والذي لا يَقتصر شرُّهُ على ساعات تضيع عَبَثًا في القراءة، وعلى ساعات تضيع عبثًا في التخيُّل والأحلام، وإنما يتجاوز الشر في ذلك إلى تنفيذ الأحلام والتخيُّلات عمليًّا، فتتحقَّق الرذيلة وتنهار دعائمُ الفضيلة.
ولكن المُؤسف أن الجرائد لا تَستجيب إلى هؤلاء المُصلحين، فلا تَفسح صدْرها لآرائهم؛ ذلك أن الجرائد نفسها ترى وتلمس أن مِن الوسائل التي تكون عاملًا في انتشارها إثارة الجنْس.
ولذلك تَنشُر الصُّوَر المُثيرة والأخبار الفاضحة، والألاعيب والحِيَل، التي يستعملها مُمَزِّقُو الأعراض وجارِحُو الفضيلة.
بَيْدَ أننا لا نكون مُنصفين إذا قصَرْنا الحديث على هذه الكتب العابثة.
على ماذا تقوم نظرية فرويد
هناك لون آخر مِن الكتب تتحدث عن الحياة الجنسية بطريقةٍ عِلْمية، وتشرح آراء “فرويد” وآراء مدرسته، وتدعو فيما يدعو إلى إدخال التعليم الجنسيِّ بطريقة مُنظمة في المدارس، وتزعم أنها بذلك تتلافَى الضرر الذي يحدث عن طريق هذه الكتب العابثة.
وهذه الفكرة الأخيرة قد جُرِّبت في عالَم الغرْب، فكانت النتيجة على عكس ما تَصوَّروا، وفَشِلت التجربة فشَلًا ذَرِيعًا، ونحن في الشرق، وسِمَتُنَا التقليد اللاواعِي في عالَم الفتْنة، نُريد أن تفعل ما فعَل الغربيون وفشلوا فيه.
أما التفكير النظري العلْمي في هذا الجانب، أعْنِي ما يفعله علماء النفس عندنا مِن شرْح آراء فُرويد ومَن نهَج نهْجه، فإنه تفكير مُضطرب كشأن التفكير النظري عامةً، وإذا نَسِينا، أو تناسَينا هذا التغيير المُستمر في التفكير النظري، فإن ذلك لا يمحو ولا يُزيل الحقيقةَ الصارخة، وهي أن التفكير النظري في تغيُّر مستمر، فما أثبته بالأمسِ، يَنْقُضُهُ اليوم، وما ابتدَعه في الآونة الراهنة، يُحطمه في الغد القريب.
ومِن المَعروف أنه بمُجرد ظهور نظرية: “فُرويد”، قام في وجهه ـ مِن علماء الغرب نفسِهِ ـ المُعارضونَ والمُهاجمونَ.
ومدرسة: “فرويد” نفسها ليست مدرسةً مُحدَّدةَ الآراء، وليست مدرسةً تُلازم فكرة زعيمها دون مُخالفة أو نقْض سواء فيما يتعلق بالأُسس أو فيما يتعلق بالنتائج.
وإذا تأمَّلْنا بعد ذلك أن الآراء البشرية خطَّاءة مُتعارضة مُتناقضة، فإننا لا نقول إلا شيئًا بدَيهيًّا بمعرفة مَن له صِلةٌ بالتفكير البشري.
في وسَط هذه الحَيرة كان لابد أن تتطلَّع إلى ملْجأٍ يَعْصِمُها مِنَ الزَّلَل. وهذا الملْجأ العاصِم المَعصوم هو الدِّينُ.انتهى
هل هذب الإسلام الفطرة
الخلاصة أن الإسلام له تميزه في جميع شرائعه،وأنه هذب الفطرة،ولم يهمل الجانب الجنسي،ولكنه عمل على تهذيبه، فشجع على الزواج،وحث على تيسير المهور،وأباح التعددبشرط العدل ،وعمل على المحافظةعلى النسب،وغير ذلك من مقاصد الشارع في تحريم الزنى والوسائل غير الشرعية في العلاقة الجنسية،وحرصه على بناء كيان سليم للأسرة ،التي هي نواة المجتمع.