التورية في اليمين، اختلف الفقهاء في حكمها، والجمهور على أن الحالف إن كان ظالما، أي عليه حق، وطلب منه الحلف ، وكان في توريته ضياع حق فيحرم عليه التورية ويجب أن يحلف على نية المُستحلِف( طالب اليمين).
وإن كان الحالف مظلوما أو لا يترتب على توريته تضيع حق؛ فيجوز له أن يورِّيٍ ويحلف على نيته هو لا على نية المستحلِف، بل يستحب له ذلك إن ترتب عليه تحصيل منفعة أو دفع مضرة ما لم يضر غيره .
الأيمان وكفاراتها:
ذكر الإمام الشوكاني في “نيل الأوطار” في باب الأيمان وكفارتها :
عن سويد بن حنظلة قال : { خرجنا نريد رسول الله ﷺ ومعنا وائل بن حجر , فأخذه عدو له فتحرج القوم أن يحلفوا , وحلفت أنه أخي فخلي عنه , فأتينا إلى رسول الله ﷺ فذكرت ذلك له , فقال : أنت كنت أبرهم وأصدقهم صدقت , المسلم أخو المسلم } رواه أحمد وابن ماجه .
وعن أبي هريرة قال : { قال رسول الله ﷺ : يمينك على ما يصدقك به صاحبك } رواه أحمد ومسلم وابن ماجه والترمذي . وفي لفظ { اليمين على نية المستحلف } رواه مسلم وابن ماجه , وهو محمول على المستحلِف المظلوم ) .
وقال: قوله : { المسلم أخو المسلم } متفق عليه, وليس المراد بهذه الأخوة إلا أخوة الإسلام , ويبر الحالف إذا حلف أن هذا المسلم أخوه, ولا سيما إذا كان في ذلك قربة كما في حديث الباب .
وقوله : ( على ما يصدقك به صاحبك ) فيه دليل على أن الاعتبار بقصد المحلِّف ـ بكسر اللام ـ من غير فرق بين أن يكون المحلف هو الحاكم أو الغريم , وبين أن يكون المحلف ظالما أو مظلوما صادقا أو كاذبا , وقيل هو مقيد بصدق المحلف فيما ادعاه , أما لو كان كاذبا كان الاعتبار بنية الحالف.
وقد ذهبت الشافعية إلى أن تخصيص الحديث بكون المحلِّّف هو الحاكم , ولفظ “صاحبك” في الحديث يرد عليهم , وكذلك ما ثبت في رواية لمسلم بلفظ { اليمين على نية المستحلِف }، أي طالب الحلف، قال النووي : أما إذا حلف بغير استحلاف وورَّى فتنفعه التورية ولا يحنث سواء حلف ابتداء من غير تحليف أو حلفه غير القاضي أو غير نائبه في ذلك ، ولا اعتبار بنية المستحلِف غير القاضي.
وحاصله أن اليمين على نية الحالف في كل الأحوال إلا إذا استحلفه القاضي أو نائبه في دعوى توجهت عليه . قال : والتورية وإن كان لا يحنث بها فلا يجوز فعلها حيث يبطل بها حق المستحلف , وهذا مجمع عليه. انتهى كلام النووي.
وقد حكى القاضي عياض الإجماع على أن الحالف من غير استحلاف ومن غير تعلق حق بيمينه له نيته ويقبل قوله, وأما إذا كان لغيره حق عليه فلا خلاف أنه يحكم عليه بظاهر يمينه سواء حلف متبرعا أو باستحلاف انتهى ملخصا.
وإذا صح الإجماع على خلاف ما يقضي به ظاهر الحديث كان الاعتماد عليه ويمكن التمسك لذلك بحديث سويد بن حنظلة المذكور في الباب , فإن النبي ﷺ حكم له بالبر في يمينه مع أنه لا يكون بارا إلا باعتبار نية نفسه لأنه قصد الأخوة المجازية , والمستحلف له قصد الأخوة الحقيقية , ولعل هذا هو مستند الإجماع. (انتهى كلام الشوكاني).
هل اليمين على نية الحالف أو المستحلف:
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
ذهب الجمهور ( الحنفية والشافعية والحنابلة ) إلى أن اليمين على نية الحالف إذا كان مظلوما, وإن كان ظالما فعلى نية المستحلف, لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : { يمينك على ما يصدقك به صاحبك } . إذ المقصود هو الترهيب وردع الحالف عن جحوده خوفا من اليمين الغموس .
وأتى ابن قدامة الحنبلي بمثال للحالف مظلوما وهي واقعة الصحابي سويد بن حنظلة رضي الله عنه المذكورة سالفا.
قال ابن قدامة: والحال الثالثة : إذا لم يكن ظالما ولا مظلوما قال : فظاهر كلام أحمد أنه له تأويله ـ أي التورية ـ وأورد عن أنس رضي الله عنه أن رجلا جاء إلى النبي ﷺ فقال يا رسول الله احملني فقال : ( إني حاملك على ولد الناقة) فقال : يا رسول الله ما أصنع بولد الناقة فقال رسول الله ﷺ: ( وهل تلد الإبل إلا النوق ) .
واشترط الشافعية لكون اليمين على نية المستحلِف شروطا:
الشرط الأول : أن يكون المستحلِف ممن يصح أداء الشهادة عنده كالقاضي والمحكم والإمام , فإن لم يكن كذلك كانت على نية الحالف , وألحق ابن عبد السلام الخصم بالقاضي , عملا بحديث : { يمينك على ما يصدقك عليه صاحبك } أي خصمك .
الشرط الثاني : أن يستحلفه القاضي ونحوه بطلب من الخصم, فإن استحلفه بلا طلب منه كانت اليمين على نية الحالف .
الشرط الثالث : ألا يكون الحالف محقا فيما نواه على خلاف نية المستحلف , فإن ادعى زيد أن عمرا أخذ من ماله كذا بغير إذنه وسأل رده , وكان عمر وقد أخذه من دين له عليه , فأجاب بنفي الاستحقاق , فقال زيد للقاضي : حلفه أنه لم يأخذ من مالي شيئا بغير إذني , وكان القاضي يرى إجابته لذلك , فيجوز لعمرو أن يحلف أنه لم يأخذ شيئا من ماله بغير إذنه , وينوي أنه لم يأخذه بغير استحقاق , فيمينه في هذه الحالة تكون على نيته المقيدة , لا على نية القاضي المطلقة , ولا يأثم بذلك .
الشرط الرابع : أن يكون الاستحلاف بالله تعالى لا بالطلاق ونحوه , فإذا كان التحليف بالطلاق كانت اليمين على نيته لا على نية الحالف .
وقال المالكية – عدا ابن القاسم – : اليمين على نية المستحلِِِف عموما, وقال ابن القاسم : هي على نية الحالف فينفعه الاستثناء فلا تلزمه كفارة ولكن يحرم ذلك عليه .