إذا كانت خيانة الأفراد جريمة، فخيانة الأمة ونهب أموالها أشد جرما وأعظم إثما، والتوبة إذا كانت تتعلق بحقوق العباد فلا يكفي فيها الندم والتوبة بل لا بد من رد الحقوق لأصحابها، أو عفوهم وتنازلهم، وإلا كانت يوم القيامة خزي وندامة.
يقول فضيلة فضيلة الدكتور محمود العكازي-من علماء الأزهر-:
من الأمور المسلم بها في الشريعة الإسلامية أنها أباحت للإنسان أن يجمع من الأموال ما يشاء ما دام يجمعها من طرق مشروعة ومصادر غير ممنوعة، فقد جاء في الحديث الذي رواه أحمد في مسنده “نعم المال الصالح للرجل الصالح”، وفي حديث آخر صحيح: “إنَّ الحلالَ بيِّنٌ وإنَّ الحرامَ بيِّنٌ وبينهما أمورٌ مُشتبِهاتٌ لا يعلمهنَّ كثيرٌ من الناس فمنِ اتَّقى الشُّبُهاتِ استبرأ لدِينِه وعِرضِه ، ومن وقع في الشُّبهاتِ وقع في الحرامِ ، كالراعي يرعى حول الحِمى يوشكُ أن يرتعَ فيه ، ألا وإنَّ لكلِّ ملكٍ حمًى ، ألا وإنَّ حمى اللهِ محارمُه ، ألا وإنَّ في الجسدِ مُضغةً إذا صلُحتْ صلُح الجسدُ كلُّه وإذا فسدتْ فسد الجسدُ كلُّه ألا وهي القلبُ” أخرجه البخاري ومسلم واللفظ له.
وفي صحيح البخاري ومسلم، اسْتَعْمَلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ رَجُلًا مِنَ الأسْدِ، يُقَالُ له: ابنُ اللُّتْبِيَّةِ، قالَ عَمْرٌو: وَابنُ أَبِي عُمَرَ، علَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قالَ: هذا لَكُمْ، وَهذا لِي، أُهْدِيَ لِي، قالَ: فَقَامَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ علَى المِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عليه، وَقالَ: ما بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ، فيَقولُ: هذا لَكُمْ، وَهذا أُهْدِيَ لِي، أَفلا قَعَدَ في بَيْتِ أَبِيهِ، أَوْ في بَيْتِ أُمِّهِ، حتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إلَيْهِ أَمْ لَا؟ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لا يَنَالُ أَحَدٌ مِنكُم منها شيئًا إلَّا جَاءَ به يَومَ القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ علَى عُنُقِهِ بَعِيرٌ له رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةٌ تَيْعِرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إبْطَيْهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ، هلْ بَلَّغْتُ؟ مَرَّتَيْنِ.
فأي إنسان تمتد يده على مال غيره، سواء كان هذا مال أفراد أو كان مال الدولة فإنه يعتبر خائنا للأمانة، وسيأتي حاملا ما خان فيه على رءوس الأشهاد يوم القيامة، ذائعا جرمه منتشرة جريمته بين العباد مصداقا لقوله تعالى: (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفّى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون).
فعلى من امتدت يده إلى مال غيره فردا كان أو مؤسسة أن يبادر بسداد ما أخذه من الأموال لأصحابها، وليعلم أن التوبة والندم لا أثر لهما في سقوط الحقوق؛ فالحقوق لا تسقط إلا بأدائها لأصحابها أو عفوهم وتنازلهم عنها.