إن كان بالإمكان التأجيل إلى ما بعد رمضان مباشرة؛ فهذا هو الواجب .
وإن كان لا يمكن التأجيل لأنه يفوت الفرصة مثلا ، فإنه لا داعي للتأجيل ، فالحاجة إلى الإنجاب معتبرة شرعا، والتلقيح الصناعي جائز إذا أمن من الاختلاط بغير ماء الزوج وبويضة الزوجة، أي عدم وجود طرف ثالث غير الزوجين في العملية، وكان الأمر قاصرا على ماء الزوج وبويضة الزوجة واتخذت الاحتياطات اللازمة لذلك.
وعلى المسلم أن يعلم أن عملية التلقيح الصناعي في علمنا لا تستلزم الفطر ، لأن الأدوية عبارة عن حقن مساء وصباحا وبعض الفيتامينات، والحقن الذي هو للدواء لا يفطر، ولكن إذا كان الصوم مع أخذ هذه الأدوية يؤثر على نجاح عملية التلقيح الصناعي أو وجدت معه مشقة غير يسيرة على الزوجة فلها أن تفطر ثم تقضي، ولكن يجب الاقتصار على إفطار الأيام التي يشق صيامها أو يضر بالعملية .
وقبل تقرير الإفطار يجب التأكد من ضرر الصيام أو مشقته بسؤال المجربين من قبل، أو طبيب مسلم ، ولو من خارج مركز هذه العمليات.
وأما بالنسبة للزوج فلا يجوز الإفطار إلا إذا اضطر إليه ، مثل يوم أخذ العينة منه ، على أن لا يفطر بغير إخراج العينة ويمسك بقية اليوم ويقضيه، ما لم يوجد عذر آخر يبيح الإفطار.
يقول الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي:
أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض، لقوله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فمن شهد منكم الشهر فليصمه، ومن كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر، يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (البقرة: 185) فبالنص والإجماع يجوز الفطر للمريض، ولكن ما المرض المبيح للفطر، إنه المرض الذي يزيده الصوم، أو يؤخر الشفاء على صاحبه، أو يجعله يتجشم مشقة شديدة، بحيث لا يستطيع أن يقوم بعمله الذي يتعيش منه ويرتزق منه، فمثل هذا المرض هو الذي يبيح الفطر، قيل للإمام أحمد: متى يفطر المريض ؟ قال: إذا لم يستطع . قيل له: مثل الحمى ؟ قال: وأي مرض أشد من الحمى ؟ وذلك، أن الأمراض تختلف، فمنها مالا أثر للصوم فيه، كوجع الضرس وجرح الأصبع والدمل الصغير وما شابههما، ومنها ما يكون الصوم علاجًا له، كمعظم أمراض البطن، من التخمة، والإسهال، وغيرها فلا يجوز الفطر لهذه الأمراض، لأن الصوم لا يضر صاحبها بل ينفعه، ولكن المبيح للفطر ما يخاف منه الضرر . والسليم الذي يخشى المرض بالصيام، يباح له الفطر أيضًا كالمريض الذي يخاف زيادة المرض بالصيام . وذلك كله يعرف بأحد أمرين :
إما بالتجربة الشخصية: وإما بإخبار طبيب مسلم موثوق به، في فنه وطبه، وموثوق به في دينه وأمانته، فإذا أخبره طبيب مسلم بأن الصوم يضره، فله أن يفطر، وإذا أبيح الفطر للمريض، ولكنه تحمل وصام مع هذا فقد فعل مكروهًا في الدين لما فيه من الإضرار بنفسه، وتركه تخفيف ربه وقبول رخصته، وإن كان الصوم صحيحًا في نفسه، فإن تحقق ضرره بالصيام وأصر عليه فقد ارتكب محرمًا، فإن الله غني عن تعذيبه نفسه . قال تعالى :(ولا تقتلوا أنفسكم . إن الله كان بكم رحيما). (النساء: 29).
وهل يجوز له أن يتصدق من أفطر بدل الأيام التي أفطرها وهو مريض ؟ فنقول: المرض نوعان: مرض مؤقت يرجى الشفاء منه وهذا لا يجوز فيه فدية ولا صدقة، بل لابد من قضائه كما قال تعالى: (فعدة من أيام أخر) فإذا أفطر شهرًا فعليه شهر وإذا أفطر يومًا فعليه يوم، فإذا أفطر أيامًا فعليه أن يقضي مثلها حين يأتيه الله بالصحة وتتاح له فرصة القضاء .. هذا هو المرض المؤقت.
أما المرض المزمن فحكم صاحبه كحكم الشيخ الكبير والمرأة العجوز إذا كان المرض لا يرجى أن يزول عنه . ويعرف ذلك بالتجربة أو بإخبار الأطباء فعليه الفدية :إطعام مسكين . وعند بعض الأئمة – كأبي حنيفة – يجوز له أن يدفع القيمة نقودًا إلى من يرى من الضعفاء والفقراء والمحتاجين. . (انتهى).