التكافل بين أبناء المجتمع المسلم، وهو تكافل مادي ومعنوي، اقتصادي، مدني، اجتماعي، ثقافي، وغيرها من أنواع التكافل. ويعتبر من مظاهر الحب والتناصر والتراحم بين أعضاء المجتمع المسلم.
ويبدأ هذا التكافل بين الأقارب بعضهم وبعض، كما يفعل ذلك نظام النفقات في شريعة الإسلام. فالقريب الموسر ينفق على قريبه المعسر وفق شروط وأحكام مفصلة في الفقه الإسلامي، كما قال الله تعالى:( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله).
ثم تتسع دائرة هذا التكافل لتشمل الجيران وأبناء الحي الواحد في البلد الواحد، بمقتضى حق الجوار، الذي أكده الإسلام، وفى الحديث: ( ليس بمؤمن من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع ) .
وفى الحديث الآخر: ( أيما أهل عرصة بات فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله وذمة رسوله ).
ثم تتسع أكثر وأكثر بحيث تشمل الإقليم عن طريق الزكاة، التي أمر الرسول الكريم (ﷺ) أن تؤخذ من أغنياء كل إقليم لترد على فقرائه، فوضع بذلك أساس التوزيع المحلي، على عكس ما كان يصنع في الحضارات السابقة على الإسلام، فقد كانت الضرائب تؤخذ من مزارعي ومحترفي الأقاليم النائية والقرى البعيدة، لتوزع في المدن الكبيرة، ولا سيما عاصمة الملك أو الإمبراطور.
ثم تزداد اتساعاً ليشمل التكافل المجتمع كله. ومنذ فجر الدعوة إلى الإسلام في مكة، والمسلمون أفراد معدودون مضطهدون، ليس لهم كيان ولا سلطان، كان القرآن يدعو بقوة إلى هذا التكافل بجعل المجتمع كالأسرة الواحدة، يصب الواجد فيه على المحروم، ويحمل فيه الغنى الفقير. ولم يجعل القرآن ذلك شيئاً من نوافل الدين، يقوم به من ترقى في درجات الإيمان والإحسان، ولا يطالب به الشخص العادي من الناس. بل اعتبره القرآن أمراً أساسياً من دعائم الدين، لا يحظى برضا الله من لم يقم به، ولا ينجو من عذابه من فرط فيه.
إقرأ في السورة المكية هذه الآيات:( فلا اقتحم العقبة، وما أدراك ما العقبة، فك رقبة، أو إطعام في يوم ذي مسبغة، يتيماً ذا مقربة، أو مسكيناً ذا متربة، ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحبة) وقوله تعالى في سورة أخرى:(كل نفس بما كسبت رهينة، إلا أصحاب اليمين، في جنات يتساءلون عن المجرمين، ما سلككم في سقر، قالوا لم نك من المصلين، ولم نك نطعم المسكين..) .
فجعل مصيرهم النار: لأنهم أضاعوا حق الله بإضاعة الصلاة، وأضاعوا حق عباده، إذ لم يطعموا المسكين. وإطعام المسكين كناية عن رعاية ضروراته وحاجاته، إذ لا معنى لأن نطعم المسكين وندعه مشرداً بلا مأوى، أو عرياناً بلا كسوة، أو مريضاً بلا علاج.
ولم يكتف القرآن بإيجاب إطعام المسكين، بل زاد على ذلك فأوجب الحض على إطعامه، والحث على رعايته، وجعل إهمال ذلك من دلائل الكفر والتكذيب بالدين:( أرأيت الذي يكذب بالدين، فذلك الذي يدع اليتيم، ولا يحض على طعام المسكين) ويجعل ذلك مع الكفر بالله من موجبات العذاب الألم، واصطلاء الجحيم. فيقول في شأن أصحاب الشمال ممن أطغاه ماله وسلطانه، فلم يغن عنه من الله: (خذوه فغلوه، ثم الجحيم صلوه، ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه) ، ثم يذكر أسباب هذا الحكم الشديد فيقول: ( إنه كان لا يؤمن بالله العظيم، ولا يحض على طعام المسكين).
ويزيد على ذلك فيوجب في المال حقا معلوماً، ليس بصدقة تطوعية، ولا بإحسان اختياري، من شاء أداه، ومن شاء تركه، بل (حق) – أي (دين) – في عنق المكلفين، وحق معلوم غير مجهول، كما في قوله تعالى في وصف المتقين: ( وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم). وفى سورة أخرى يصف الحق بالمعلومية فيقول: ( والذين في أموالهم حق معلوم، للسائل والمحروم). وفى الحديث عن الزروع والثمار، والجنات المعروشات وغير المعروشات، يقول سبحانه: (كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده). وهذا الحق هو الزكاة، التي فرضت في مكة غير محددة ولا مفصلة. كل هذا في القرآن المكي، فلما أصبح للمسلمين دولة وسلطان، حددت أنصبة الزكاة ومقاديرها بوضوح، وبعث السعاة ليجمعوها من أهلها، ويصرفوها في محلها.
وهم الذين سماهم القرآن: (العاملين عليها)، وجعل لهم نصيباً من حصيلة الزكاة نفسها، ضماناً لحسن تحصيلها وتوزيعها.
ووصل الإسلام بهذه الفريضة الآلية إلى أعلى درجات الإلزام الخلقي والتشريعي، فجعلها ثالث أركان الإسلام، وأوجب أخذها كرهاً، إن لم تدفع طوعاً، ولم يتردد في قتال من منعوها إذا كانوا ذوى شوكة وقوة .
وهذا التكافل المادي أو المعيشي ليس هو كل ما طلبه الإسلام في هذا المجال، بل هناك أنواع أخرى من التكافل، ذكرها العلامة الفقيه الداعية الدكتورمصطفى السباعي – رحمه الله – وجعلها بالتكافل المعيشي عشرة كاملة، فشملت : التكافل الأدبي، والعلمي، والدفاعي، والجنائي، والأخلاقي، والاقتصادي، والعبادي، والحضاري، والمعاشي، الذي اختص
اليوم باسم ( التكافل الاجتماعي).