كفل الإسلام للإنسان كل الحقوق ولكن اشترط ألا يكون في هذا الحق تعسف أو ما يضر بالغير فالمجتمع المسلم يجب أن يعمه الوئام والحب وللجيران حقوق يجب أن تراعى، فلايحق مثلا للجار أن يرفع جداره بالقدر الذي يمنع عن جاره الضوء والهواء لأنه لاضرر ولاضرار في الإسلام.
حكم التعسف في استعمال الحق في الإسلام
يقول الدكتور عبد الكريم زيدان-رحمه الله تعالى- عميد كلية الشريعة بجامعة بغداد سابقا في كتابه” نظرات في الشريعة الإسلامية يفصل في هذه القضية:
التعسف في استعمال الحق، يعني استعمال الحق بقصد الإضرار بالغير أو بكيفية تلحق الضرر بالغير، وهو بهذا المعنى محظور غير مباح. والدليل على حظر التعسف في استعمال الحق في الشريعة الإسلامية من وجوه كثيرة، منها ما يلي:
الدليل الأول على حظر التعسف:
أن من أصول استعمال الحق الاستعمال المشرع في الشريعة أن يكون قصد صاحب الحق من استعماله الحق هو نفس مقصد الشرع الإسلامي في منحه هذا الحق وتقريره للإنسان، وعلى هذا فكل من ابتغي فيما شرعه الله وأثبته من حقوق غير ما شرعت له فقد ناقض شريعة الله، وكل من ناقضها فعمله في المناقضة باطل، قال تعالى: ( ولا تمسكوهن ضرارًا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ) كان الرجل في الجاهلية يطلق امرأته ثم يراجعها ولا حاجة له بها ولا يريد إمساكها وإنما يريد تطويل العدة عليها مضارة لها، فأنزل الله تعالى: ( ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ) فحق الرجعة الذي منحه الشرع للزوج المطلق طلاقًا رجعيًا هو بقصد إعطائه فرصة يتأمل ما صدر منه من طلاق، فإذا تبين خطأه وأنه استعجل في طلاقه لها أمكنه أن يردها ويرجعها إلى الرابطة الزوجية بإرادته، أما إذا لم يرد بإرجاعها هذا الغرض الذي من أجله منح حق الرجعية على زوجته وإنما أراد الإضرار بها فإن عمله هذا حرام يسأل عنه ديانة في الآخرة، وإن كان في الدنيا يقع عمله صحيحًا منتجًا أثره.
وقال تعالى في حق الزوج في إرجاع زوجته في الطلاق الرجعي خلال مدة العدة ( وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أردوا إصلاحًا ) أجمع العلماء على أن الحر إذا طلق زوجته الحرة وكانت مدخولا بها تطليقة أو تطليقتين أنه أحق برجعتها ما لم تنقض عدتها.. والرجل مندوب إلى المراجعة ولكن إذا قصد الإصلاح بإصلاح حاله معها، وإزالة الوحشة بينهما فإذا قصد الإضرار وتطويل العدة والقطع بها عن الخلاص من ربقة النكاح فمحرم لقوله تعالى: ( ولاتمسكوهن ضرارًا لتعتدوا ) ثم من فعل ذلك فالرجعة صحيحة وإن ارتكب النهي وظلم نفسه ولو علمنا نحن ذلك المقصد طلقنا عليه.
الدليل الثاني: استعمال الحق مقيد بعدم الإضرار بالغير:
إن الحق الممنوح للفرد من الشرع الإسلامي ممنوح له بقيد عدم الإضرار بالغير قصدًا، وبعدم وقوع الضرر باستعماله لحقه وإن لم يكن قاصدًا هذا الإضرار بالغير، لأن حق الغير بالسلامة من أضرار الغير به وبعدم وقوع الضرر عليه عند استعمال صاحب الحق حقه، هذا الحق للغير بالسلامة من الضرر حق ثابت ومصون في الشريعة الإسلامية ويجب على صاحب الحق مراعاته عند استعمال حقه لأن الشرع ألزمه بذلك، وهذه المراعاة هي من حق الله ومن حق الآخرين على صاحب الحق عند استعمال حقه. قال الإمام الشاطبي: “لأن طلب الإنسان لحظه أي لحقه – حيث أذن له لابد فيه من مراعاة حق الله وحق المخلوقين.
ثالثًا: عدم مشروعية المصلحة:
وهذا المعيار يتحقق إذا استعمل صاحب الحق حقه لتحقيق مصلحه لا يقرها الشرع عن طريق هذا الاستعمال كما في احتكار السلع الضرورية، أو عزل الموظف المختص الكفؤ انتقامًا منه أو لتوظيف قريب ذي سلطان مكانه. أو فتح شبابيك تطل على ساحة جاره للاطلاع على عورات الجار.
رابعًا: وقوع الضرر بالغير للموقف السلبي من صاحب الحق.
قد يحصل أن صاحب الحق يمنع غيره من السماح باستعمال حقه ليدفع الضرر الجسيم عنه، دون أي ضرر يلحق صاحب الحق. ومن تطبيقات هذا المعيار ما فعله سيدنا عمر رضي الله عنه في قصة إمرار الماء من أرض لسقي زرع في أرض أخرى لا سبيل لسقيها إلا بإمرار الماء من أرض الجار. وقد امتنع صاحب الأرض من السماح بإمرار الماء من أرضه لسقي أرض جاره ورفع الأمر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال عمر لصاحب الأرض: لم تمنع أخالك ما ينفعه وهو لك نافع تسقي به أولا وآخرًا وهو لا يضرك. ثم أمر سيدنا عمر بإمرار الماء من هذه الأرض لسقي أرض جاره.
معايير التعسف في استعمال الحق
أولاً: قصد الإضرار بالغير وقد ضربنا له إمساك الزوجة أي إرجاعها في الطلاق الرجعي خلال عدتها لغرض تطويل العدة عليها أضرارًا بها.
ثانيًا: رجحان ضرر الغير على مصلحة صاحب الحق. وهذا المعيار يعني ضآلة النفع الذي يحصل عليه صاحب الحق من استعماله حقه بالنسبة لما يحصل عليه من ضرر جسيم على الغير.
-ومن صور هذا المعيار بناء جدار عال في دار الشخص على نحو يمنع الضياء والشمس عن دار جاره بالكلية.
-ومثله ضرر الاحتكار بالعامة أكبر من المصلحة التي يحصل عليها المحتكر.
-ومنها أيضاً المشاركات بين التجار واتفاقهم على حصر شراء بعض المواد بهم ثم احتكار بيعها بالسعر الذي يريدون فهؤلاء يمنعون من ذلك للضرر الجسيم الذي يلحق العامة بفعلهم مع ضآلة المنفعة التي يحصل عليها التجار بالنسبة لجسامة ضرر العامة.