وردت كثير من الآيات والأحاديث التي ترهب من القضاء بغير العدل ، فقد ذم الله تعالى القاسطين وتوعدهم بالنار بقوله تعالى: ( وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ) ، وجعلت السنة المشرفة الحكم بالجور قرين لزوم الشيطان لمن حكم به ، وبعد الله عنه . لذا فقد اعتذر كثير من الفقهاء المشهورين كأبي حنيفة والشافعي عن ولاية القضاء .

وليس معنى هذا أن يمتنع الناس عن القضاء فمن حق ولي الأمر إجبار من يصلح للقضاء ، كما أن فيه من الأجر لمن صبر عليه الكثير .

حكم تولي القضاء؟

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية :
كان كثير من السلف الصالح يحجم عن تولي القضاء ويمتنع عنه أشد الامتناع حتى لو أوذي في نفسه , وذلك خشية من عظيم خطره كما تدل عليه الأحاديث الكثيرة والتي ورد فيها الوعيد والتخويف لمن تولى القضاء ولم يؤد الحق فيه , -كحديث : { إن الله مع القاضي ما لم يجر , فإذا جار تخلى عنه ولزمه الشيطان }.
-وحديث : { مَنْ ولِيَ القضاءَ فقد ذُبح بغيرِ سكينٍ }.

-وحديث : { القضاة ثلاثة : قاضيان في النار , وقاض في الجنة , رجل قضى بغير الحق فعلم ذاك فذاك في النار , وقاض لا يعلم فأهلك حقوق الناس فهو في النار , وقاض قضى بالحق فذلك في الجنة }.

ويرى بعض العلماء أن كل ما جاء من الأحاديث التي فيها تخويف ووعيد إنما هي في حق قضاة الجور والجهال الذين يدخلون أنفسهم في هذا المنصب بغير علم , وأما قوله : { من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين } فقد قال بعض أهل العلم : هذا الحديث دليل على شرف القضاء وعظيم منزلته وأن المتولي له مجاهد لنفسه وهواه , وهو دليل على فضيلة من قضى بالحق إذ جعله ذبيح الحق امتحانا , لتعظم له المثوبة امتنانا , فالقاضي لما استسلم لحكم الله وصبر على مخالفة الأقارب والأباعد في خصوماتهم , فلم تأخذه في الله لومة لائم حتى قادهم إلى أمر الحق وكلمة العدل , وكفهم عن دواعي الهوى والعناد , جعل ذبيح الحق لله وبلغ به حال الشهداء الذين لهم الجنة , فالتحذير الوارد من الشرع إنما هو عن الظلم لا عن القضاء , فإن الجور في الأحكام واتباع الهوى فيه من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر , قال الله تعالى : { وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا }.

فالأحاديث السابقة بجملتها , بعضها مرغب وبعضها مرهب , والمرغب منها محمول على الصالح للقضاء المطيق لحمل عبئه , والقيام بواجبه , والمرهب منها محمول على العاجز عنه , وعلى ذلك يحمل دخول من دخل فيه من العلماء , وامتناع من امتنع عنه ,

هل تولى الصحابة ومن بعدهم القضاء؟

تقلده بعد المصطفى صلوات الله عليه وسلامه الخلفاء الراشدون , سادات الإسلام وقضوا بين الناس بالحق , ودخولهم فيه دليل على علو قدره , ووفرة أجره , فإن من بعدهم تبع لهم , ووليه بعدهم أئمة المسلمين من أكابر التابعين وتابعيهم , ومن كره الدخول فيه من العلماء مع فضلهم وصلاحيتهم وورعهم محمول كرههم على مبالغة في حفظ النفس , وسلوك لطريق السلامة , ولعلهم رأوا من أنفسهم فتورا أو خافوا من الاشتغال به الإقلال من تحصيل العلوم .

وممن امتنع عن تولي القضاء بعد أن طلب له سفيان الثوري وأبو حنيفة والشافعي .