جاء في كتاب الحلال والحرام في الإسلام لفضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي:[1]
لم يكتف النبي عليه السلام بتحريم شرب الخمر قليلها وكثيرها، بل حرم الاتجار بها، ولو مع غير المسلمين، فلا يحل لمسلم أن يعمل مستوردا أو مصدرا للخمر، أو صاحب محل لبيع الخمر، أو عاملا في هذا المحل.
ومن أجل ذلك “لعن النبي ﷺ في الخمر عشرة؛ عاصرها ومعتصرها -أي طالب عصرها- وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها، وآكل ثمنها، والمشتري لها، والمشتراة له. [2]
ولما نزلت آية المائدة السابقة قال النبي ﷺ: “إن الله حرم الخمر فمن أدركته هذه الآية ، وعنده منها شيء، فلا يشرب ولا يبع” قال راوي الحديث: فاستقبل الناس بما كان عندهم منها طرق المدينة فسفكوها. [3]
وعلى طريقة الإسلام في سد الذرائع إلى الحرام، حرم على المسلم أن يبيع العنب لمن يعرف أنه سيعصره خمرا. وفي الحديث: “من حبس العنب أيام القطاف، حتى يبيعه من يهودي -أي: ليهودي- أو نصراني أو ممن يتخذه خمرا -أي: ولو كان مسلما- فقد تقحم النار على بصيرة”. [4]
المسلم لا يهدي خمرا:
وإذا كان بيع الخمر وأكل ثمنها حراما على المسلم، فإن إهداءها بغير عوض، ولغير مسلم من يهودي أو نصراني أو غيره حرام أيضا؛ فما ينبغي للمسلم أن تكون الخمر هدية منه، ولا هدية إليه، فهو طيب لا يهدى إلا طيبا ولا يقبل إلا طيبا.
وقد روي أن رجلا أراد أن يهدي للنبي عليه الصلاة والسلام رواية خمر، فأخبره النبي أن الله حرمها، فقال الرجل: أفلا أبيعها ؟
فقال النبي: “إن الذي حرم شربها حرم بيعها”.
فقال الرجل: أفلا أكارم بها اليهود؟
فقال النبي: “إن الذي حرمها حرم أن يكارم بها اليهود”.
فقال الرجل: فكيف أصنع بها؟
فقال النبي ﷺ: “شنها على البطحاء”. [5]
مقاطعة مجالس الخمر:
وعلى هذه السنة أمر المسلم أن يقاطع مجالس الخمر، ومجالسة شاربيها. فعن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة تدار عليها الخمر”. [6]
إن المسلم مأمور أن يغير المنكر إذا رآه، فإذا لم يستطع أن يزيله، فليزل هو عنه، ولينأ عن موطنه وأهله.
ومما روي عن الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز أنه كان يجلد شاربي الخمر ومن شهد مجالسهم، وإن لم يشرب معهم.
ورووا أنه رفع إليه قوم شربوا الخمر، فأمر بجلدهم، فقيل له: إن فيهم فلانا، وقد كان صائما، فقال: به ابدؤوا. أما سمعتم قول الله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) [النساء/140].
[1] الحلال والحرام في الإسلام (67-69) مكتبة وهبة ـ الطبعة الثانية والعشرون ـ 1418هـ 1997م.
[2] رواه الترمذي وابن ماجة ورواته ثقات.
[3] رواه مسلم.
[4] رواه الطبراني في الأوسط، وحسنه الحافظ في بلوغ المرام.
[5] رواه الحميدي في مسنده.
[6] رواه أحمد، ومعناه عند الترمذي.