أولا : قتل الزوجة جنينها في أحشائها جريمة كبيرة، فالأصل في الإجهاض أنه حرام ، وتزداد الحرمة وتعظم كلما طال عمر الحمل والجنين ، فالإجهاض في الأربعين يوما الأولى أخف منه في الأربعين الثانية ، وهكذا ، وتتأكد الحرمة بعد بلوغ الحمل مائة وعشرين يوما ، فساعتها لا يجوز الإجهاض إلا لخوف الخطر المحقق على حياة الأم .
فإذا كان الإجهاض قد تم بعد اثنين وأربعين يوما فعلى من قام بالإجهاض ما يعرف بالغرة في الفقه الإسلامي ، وهي تقدر في زماننا هذا ب212.5 جراما من الذهب ، وتوزع على الورثة ، ولا يأخذ منها من اشترك في الإجهاض ، وهذه الغرة تعطى لورثة الطفل، ويمكن للورثة أن يسامحوا فيها ، ويعفوا عنها.
كما يجب صيام شهرين متتابعين ، ويجب تكرار هاتين الكفارتين حسب مرات الإجهاض، وإذا كان الإجهاض قد تم قبل هذه المدة فلا يجب سوى استغفار الله تعالى ، والتوبة إليه .
ثانيا : وأما عن أثر الإجهاض على العدة ، فإن عدة الحامل تكون بوضع حملها، فإذا وضعت ولدها ولو بعد يوم واحد من موت زوجها فقد انتهت عدتها…هذا إن كان الحمل تاما.
أما إذا كان الحمل سقطا فإذا كان السقط قبل أن يتم الجنين ثمانين يوما فلا تنتهي به العدة.
وأما إذا كان عمر السقط أكثر من ثمانين يوما ففيه تفصيل، وإن كان الضابط فيه أنه متى ظهر في السقط التخلق فقد انتهت العدة بوضعه.
قال ابن قدامة في المغني :-
والحمل الذي تنقضي به العدة، ما يتبين فيه شيء من خلق الإنسان، حرة كانت أو أمة.
وجملة ذلك، أن المرأة إذا ألقت بعد فرقة زوجها شيئا، لم يخل من خمسة أحوال :
أحدها :-
أن تضع ما بان فيه خلق الآدمي، من الرأس واليد والرجل، فهذا تنقضي به العدة، بلا خلاف بينهم . قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن عدة المرأة تنقضي بالسقط إذا علم أنه ولد، وممن نحفظ عنه ذلك : الحسن وابن سيرين وشريح والشعبي والنخعي والزهري والثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق.
قال الأثرم : قلت لأبي عبد الله : إذا نكس في الخلق الرابع ؟ يعني تنقضي به العدة . فقال : إذا نكس في الخلق الرابع، فليس فيه اختلاف، ولكن إذا تبين خلقه هذا أدل وذلك لأنه إذا بان فيه شيء من خلق الآدمي، علم أنه حمل، فيدخل في عموم قوله تعالى : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } .
الحال الثاني: ألقت نطفة أو دما، لا تدري هل هو ما يخلق منه الآدمي أو لا ؟ فهذا لا يتعلق به شيء من الأحكام ; لأنه لم يثبت أنه ولد، لا بالمشاهدة ولا بالبينة .
الحال الثالث: ألقت مضغة لم تبن فيها الخلقة، فشهد ثقات من القوابل، أن فيه صورة خفية، بان بها أنها خلقة آدمي، فهذا في حكم الحال الأول، لأنه قد تبين بشهادة أهل المعرفة أنه ولد .
الحال الرابع: إذا ألقت مضغة لا صورة فيها، فشهد ثقات من القوابل أنه مبتدأ خلق آدمي، فاختلف عن أحمد فنقل أبو طالب أن عدتها لا تنقضي به; لأنه مشكوك في كونه ولدا، فلم يحكم بانقضاء العدة المتيقنة بأمر مشكوك فيه، وقال بعض أصحابنا : على هذا تنقضي به العدة . وهو قول الحسن وظاهر مذهب الشافعي لأنهم شهدوا بأنه خلقة آدمي، أشبه ما لو تصور .
الحال الخامس: أن تضع مضغة لا صورة فيها، ولم تشهد القوابل بأنها مبتدأ خلق آدمي، فهذا لا تنقضي به عدة; لأنه لم يثبت كونه ولدا ببينة ولا مشاهدة، فأشبه العلقة، فلا تنقضي العدة بوضع ما قبل المضغة بحال، سواء كان نطفة أو علقة، وسواء قيل: إنه مبتدأ خلق آدمي أو لم يقل . نص عليه أحمد فقال : أما إذا كان علقة، فليس بشيء، إنما هي دم، لا تنقضي به عدة ، ولا نعلم مخالفا في هذا، إلا الحسن، فإنه قال : إذا علم أنها حمل، انقضت به العدة. والأول أصح، وعليه الجمهور .
وأقل ما تنقضي به العدة من الحمل، أن تضعه بعد ثمانين يوما منذ أمكنه وطؤها ; لأن النبي ﷺ قال : ” إن خلق أحدكم ليجمع في بطن أمه، فيكون نطفة أربعين يوما، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك . ولا تنقضي العدة بما دون المضغة، فوجب أن تكون بعد الثمانين، فأما ما بعد الأربعة أشهر، فليس فيه إشكال ; لأنه منكس في الخلق الرابع .انتهى.
وجاء في الموسوعة الطبية الفقهية للدكتور أحمد محمد كنعان (رئيس قسم الأمراض المعدية بإدارة الرعاية الصحية الأولية بالمنطقة الشرقية في السعودية:-
تنقضي عدة الحامل بوضع الحمل لقوله تعالى : ( وأُولاتُ الأَحْمَالِ أجلُهُنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) سورة الطلاق 4 ، واشترط الفقهاءُ انفصالَ جميع الحمل، وأن يستبين شيءٌ من خَلْق الجنين ولو صورةً خفيَّةً ، حتى وإن كان ميتاً أو مضغةً ، وأن يشهد بهذا الثقات من الأطباء أو القوابل، فإنْ كانت المرأة في عدَّة طلاقٍ أو وفاة ثم تبين أنها حاملٌ وجب عليها أن تنتقل في حساب عدتها من الأقراء أو الشهور إلى عدة الحمل فلا تنقضي عدتها حتى تضع حملها .. وإنْ كان الحمل بتوأمين اثنين أو أكثر لم تنقضِ العدة إلا بوضع الولد الأخير .انتهى.