لا يخلو حال المسلم من أحد أمرين:-
إما أن يكون أكل ناسيا لصومه ، ذاهلا عنه.
وإما أن يكون أكل ظانا أن المغرب قد رفع نداؤه.
ففي الحالة الأولى لا شيء عليه عند جمهور الفقهاء، وفي الحالة الثانية يرى جمهور الفقهاء أن عليه القضاء، ولكن الذي أفتى به شيخ الإسلام ابن تيمية أن صومه صحيح، ولا شيء عليه.
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:-
جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي – ﷺ -: ” .. مننسي وهو صائم فأكل وشرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه ” .. وفي لفظ للدارقطني بإسناد صحيح: ” فإنما هو رزق ساقه الله إليه، ولا قضاء عليه .. ” وفي لفظ آخر للدارقطني وابن خزيمة وابن حبان والحاكم .. ” من أفطر من رمضان ناسيًا، فلا قضاء عليه ولا كفارة ” . وإسناده صحيح أيضًا قاله الحافظ ابن حجر.
وهذه الأحاديث صريحة في عدم تأثير الأكل والشرب ناسيًا على صحة الصوم . وهو الموافق لقوله تعالى: ( رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) البقرة: 286، وقد ثبت في الصحيح أن الله أجاب هذا الدعاء.
كما ثبت في حديث آخر: ” إن الله وضع عن هذه الأمة الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه “.
فعلى الصائم الذي أكل وشرب ناسيًا أن يستكمل صيام يومه، ولا يجوز له الفطر.
وإذا أكل أو شرب أو جامع، يظن أن الشمس قد غربت، أو أن الفجر لم يطلع، فبان خلافه فقد ذهب الأئمة الأربعة: أن صومه قد يبطل، لأنه فعل ما ينافي الصيام، وهو الأكل في نهار رمضان، وعليه القضاء، وإن لم يكن عليه إثم لخطئه.
وقال إسحاق بن راهويه وداود: صومه صحيح، ولا قضاء عليه، وحكي ذلك عن عطاء وعروة بن الزبير والحسن البصري ومجاهد.
واحتجوا بما رواه البيهقي عن زيد بن وهب قال: بينما نحن جلوس في مسجد المدينة في رمضان، والسماء متغيمة، فرأينا أن الشمس قد غابت، وأنَّا قد أمسينا، فأخرجت لنا عساس من لبن من بيت حفصة، فشرب عمر رضي الله عنه وشربنا، فلم نلبث أن ذهب السحاب، وبدت الشمس فجعل بعضنا يقول لبعض: نقضي يومنا هذا فسمع بذلك عمر: فقال: والله لا نقضيه، وما تجانفنا لإثم ، إسناد هذه الرواية صحيح، ولكن البيهقي تكلم فيها، لأنها خالفت الروايات الأخرى قال: وزيد ثقة، إلا أن الخطأ غير مأمون.( انظر: – المجموع 6/ 310، 311 ، ولكن كلام ابن تيمية الآتي يؤيد ما رواه زيد: وبخاصة أنها رواية واضحة معللة، فيستبعد الخطأ فيها).
وأيضًا فقد ثبت في صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر قالت: أفطرنا يومًا من رمضان في غيم على عهد رسول الله ﷺ ثم طلعت الشمس.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وهذا يدل على شيئين):.
الأول: على أنه لا يُستحب مع الغيم التأخير إلى أن يتيقن الغروب، فإنهم لم يفعلوا ذلك ولم يأمرهم به النبي ﷺ، والصحابة مع نبيهم أعلم وأطوع لله ولرسوله ممن جاء بعدهم.
والثاني: لا يجب القضاء، فإن النبي ﷺ لو أمرهم بالقضاء لشاع ذلك، كما نقل فطرهم، فلما لم ينقل ذلك دل على أنه لم يأمرهم به.
فإن قيل: فقد قيل لهشام بن عروة: أمروا بالقضاء؟ قال أو بدُّ من القضاء؟.
قيل: هشام قال ذلك برأيه: لم يرو ذلك في الحديث، ويدل على أنه لم يكن عنده بذلك علم: أن مُعمَّرًا روى عنه قال: سمعت هشامًا قال: لا أدري أقضوا أم لا؟ ذكر هذا وهذا عنه البخاري. والحديث رواه عن أمه فاطمة بنت المنذر عن أسماء.
وقد نقل هشام عن أبيه عروة أنهم لم يؤمروا بالقضاء، وعروة أعلم من ابنه، وهذا قول إسحاق بن راهويه – وهو قرين أحمد بن حنبل، ويوافقه في المذهب: أصوله وفروعه.
وقد كان أحمد بن حنبل إذا سُئل عن إسحاق يقول: أنا أُسأل عن إسحاق؟ وإسحاق يُسأل عني.
وأيضًا: فإن الله قال في كتابه: (وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) البقرة:187، وهذه الآية مع الأحاديث الثابتة عن النبي ﷺ تبين أنه مأمور بالأكل إلى أن يظهر الفجر، فهو مع الشك في طلوعه مأمور بالأكل كما قد بسط في موضعه ( فتاوى شيخ الإسلام 231/25-233).