تنوعت أقوال المفسرين في معنى :(يا أخت هارون). على النحو التالي:
1-أن مريم رضي الله عنها كانت من نسل هارون عليه السلام ،فنسبت إليه بالإخوة ،وهذا من كلام العرب.
2-أنهم نسبوها لرجل صالح اسمه هارون ،كان عابدا .
3-أنه كان لها أخ من أبيها اسمه هارون .
4-أنهم نسبوها لرجل كان معروفا بالفجور اسمه هارون ،وهذا من باب التوبيخ ،والرأي الأخير أضعف الأراء ولا تقوم له حجة.
وعلى كل الأقوال ،فليس هناك ما يدل على أن هارون أخو موسى -عليهما السلام -هو المقصود من الآيات بالإخوة إلا على أنها من نسله ،وليست أخته على الحقيقة.
وبهذا يبطل من يرى أن القرآن أخطأ في نسبة مريم لهارون ،تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
يقول الإمام القرطبي في تفسيره ،عن معنى قوله تعالى:
(يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا).
اختلف الناس في معنى هذه الأخوة ومن هارون ؟
-فقيل : هو هارون أخو موسى ; والمراد من كنا نظنها مثل هارون في العبادة تأتي بمثل هذا . وقيل : على هذا كانت مريم من ولد هارون أخي موسى فنسبت إليه بالأخوة لأنها من ولده ; كما يقال للتميمي : يا أخا تميم وللعربي يا أخا العرب .
-وقيل كان لها أخ من أبيها اسمه هارون ; لأن هذا الاسم كان كثيرا في بني إسرائيل تبركا باسم هارون أخي موسى ، وكان أمثل رجل في بني إسرائيل ; قاله الكلبي .
-وقيل : هارون هذا رجل صالح في ذلك الزمان تبع جنازته يوم مات أربعون ألفا كلهم اسمه هارون .
-وقال قتادة : كان في ذلك الزمان في بني إسرائيل عابد منقطع إلى الله عز وجل يسمى هارون فنسبوها إلى أخوته من حيث كانت على طريقته قبل ; إذ كانت موقوفة على خدمة المسجد ; أي يا هذه المرأة الصالحة ما كنت أهلا لذلك .
-وقال كعب الأحبار بحضرة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها : إن مريم ليست بأخت هارون أخي موسى ; فقالت له عائشة : كذبت . فقال لها : يا أم المؤمنين إن كان رسول الله ﷺ قاله فهو أصدق وأخبر ، وإلا فإني أجد بينهما من المدة ستمائة سنة . قال : فسكتت . وفي صحيح مسلم عن المغيرة بن شعبة قال : لما قدمت نجران سألوني فقالوا: إنكم تقرءون ” يا أخت هارون ” وموسى قبل عيسى بكذا وكذا ، فلما قدمت على رسول الله ﷺ سألته عن ذلك ، فقال : ( إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم ) . وقد جاء في بعض طرقه في غير الصحيح أن النصارى قالوا له : إن صاحبك يزعم أن مريم هي أخت هارون وبينهما في المدة ستمائة سنة ؟ ! قال المغيرة : فلم أدر ما أقول ; وذكر الحديث . والمعنى أنه اسم وافق اسما . ويستفاد من هذا جواز التسمية بأسماء الأنبياء.
فقد دل الحديث الصحيح أنه كان بين موسى وعيسى وهارون زمان مديد .
قال الزمخشري : كان بينهما وبينه ألف سنة أو أكثر فلا يتخيل أن مريم كانت أخت موسى وهارون ; وإن صح فكما قال السدي لأنها كانت من نسله ; وهذا كما تقول للرجل من قبيلة : يا أخا فلان . ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : ( إن أخا صداء (رجل من قبيلة صداء)قد أذن فمن أذن فهو يقيم ) وهذا هو القول الأول .
وقال ابن عطية : وقالت فرقة بل كان في ذلك الزمان رجل فاجر اسمه هارون فنسبوها إليه على جهة التعيير والتوبيخ ; ذكره الطبري ولم يسم قائله .
وقد ذكره الغزنوي عن سعيد بن جبير أنه كان فاسقا مثلا في الفجور فنسبت إليه . والمعنى : ما كان أبوك ولا أمك أهلا لهذه الفعلة فكيف جئت أنت بها ؟ ! وهذا من التعريض الذي يقوم مقام التصريح .
وهذا القول الأخير يرده الحديث الصحيح ، وهو نص صريح فلا كلام لأحد معه ، ولا غبار عليه .
والله تعالى أعلم