إن بعض ضعاف النفوس والقلوب يسعون جاهدين -لمأرب في أنفسهم- لتشويه صورة الإسلام، فتراهم يكيلون له التهم كذبا وبهتانا، ومن بين هذه التهم التي تلصق بالإسلام تصوير الإسلام بأنه يحول دون البسمة والفرحة ويلبسونه ثوب الحزن والغم والتزمت ” كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً “.
بل الأمر على خلاف ذلك، فديننا دين البهجة والفرح والسرور وليس أدل على ذلك من أن المرء يؤجر على ابتسامته قال “تبسمك في وجه أخيك صدقة”، وكان يمزح ولا يقول إلا صدقا، ولكن إذا كان المزاح يقع في دائرة المباح إلا أنه ينبغي أن تراعى الحقوق وتصان الأعراض وتحترم العقائد من أن يُلَعب بها باسم المزاح أو الضحك، ولذلك نظرة لخطورة هذه الأشياء حتى لا يُنال منها أو يُعتدى عليها باسم المزاح، فقد أحاطها الشارع بسياج من الحماية حتى لا تضيع بعبث العابثين ورتب بعض الآثار على تصرفات المازح إذا مس جانبا من هذه الجوانب وجعل الجاد فيها كالهازل، فلا سخرية ولا استهزاء بالدين باسم المزاح ولا اعتداء على حقوق الآخرين ولا سخرية باسم الضحك والفرفشة.
فمرحبا بمزاح لا كذب فيه، ولا لمزاح يُلعب فيه بالحقوق أو تُمسُ فيه العقائد.

مسؤولية المازح عن تصرفاته المتصلة بالأحوال الشخصية:

يقول فضيلة الدكتور: حسن عبد الغني أبو غدة –أستاذ الفقه المشارك بجامعة الملك سعود بالرياض:

حالات وصور المزاح منها ما هو مكروه ومنها ما هو حرام ومنها ما هو مندوب ومنها ما هو واجب ومنها ما هو مباح. وإن الإسلام يتسع للمزاح الهادف البناء الذي يتصف بالصدق في القول والعمل من غير إسفاف ولا إسراف.
وكثير من الناس يمارسون المزاح ولا يلقون بالا لما قد يترتب عليه من أحكام والتزامات محسوبة عليهم وهم مؤاخذون بها ديانة وقضاء دون أن يعلموا ذلك أو ينتبهوا إليه..

وفي ضوء تتبع النصوص الشرعية وكتابات المختصين من أهل العلم نعرض ما يلي:

ذكر العلماء أن تصرفات المازح القولية تؤثر في النكاح “الزواج” والطلاق وفي مراجعة الزوجة المطلقة، وينعقد كلامه في ذلك وينفذ وتترتب عليه آثاره الشرعية، والدليل على هذا ما رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه الله عنه قال: قال رسول الله : “ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة”.

قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي وغيرهم، وهذا قول فقهاء المذاهب الأربعة، وذلك لأن الهازل المازح أتى باللفظ عن قصد واختيار وإن عدم رضاه بوقوع ما يمزح فيه لا أثر له في الشرع بل هو ملزم به ديانة وقضاء، ويؤكد هذا المعني ما رواه عبد الرزاق في المصنف من حديث “من نكح لاعبا أو طلق لاعبا جاز أي نفذ ووقع.

وذكر ابن قدامة الحنبلي أن الطلاق يقع سواء قصد به المزاح أو الجد وذلك للحديث الأسبق ثم نقل عن ابن المنذر قوله أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن جد الطلاق وهزله سواء.

وبناء على هذا فإن الزوج الذي يتلفظ بالطلاق على سبيل المزاح والهزل عليه أن يتحمل تبعه تصرفه هذا ولو كان عن غفلة وجهل.
كذلك الزوج الذي يتلفظ بمراجعة زوجته المطلقة على سبيل الهزل والمزاح يقع منه ذلك ولو لم يرده..
وقل نحو هذا فيما يقع بين الأقرباء والأصحاب حينما يقوم أولياء الصغار والصغيرات بتزويجهم من بعضهم حال توافر الشهود وذلك على سبيل المداعبة والمزاح..!!

وبهذا يظهر لنا مدى الخطورة الدينية والحقوقية جراء هذه التصرفات التي تمس جانبا مهما من الأحوال الشخصية.

حكم المزح على التعاقدات المالية:

يرى أهل العلم أن تصرفات الهازل “المازح” تؤثر في العقود المالية ونحوها وينفذ فيها قوله ظاهرا وباطنا سواء كان المزاح واقع في البيع أو الإقرار أو غيره من التصرفات والنشاطات المالية والاقتصادية والدليل على هذا حديث أبي هريرة الآنف “ثلاث جدهن جد وهزلهن جد”.

وقالوا إنما خصت الثلاثة بالذكر لمزيد اعتناء الشرع واحتياطه فيها وذلك لخطورتها واتصالها بالأعراض وإلا فكل التصرفات والعقود تنعقد بالهزل “المزاح” لأن المكلف مسؤول عن جميع تصرفاته وبخاصة أنه في حال الأهلية ويؤيد هذا ما رواه عبد الرزاق في المصنف من حديث: “من أعتق لاغيا جاز” أي نفذ ووقع منه عتق الرقيق.

وبناء على هذا إذا باع إنسان شيئا ورضي به المشترى ثم ادعى البائع أنه كان يمزح لا يقبل قوله بل تنتقل الملكية إلى المشتري ولو لم يقبض المبيع بعد أو يدفع ثمنه والعكس صحيح أيضا إذا وقع المزاح من المشتري.
وكذلك الحكم لو أقر رجل لآخر بمبلغ أو شئ ثم قال كنت امزح يلزم ديانة وقضاء بتسليم ما أقر به وإن صدقه المُقر له
وهكذا في التصرفات العقدية والمالية الأخرى.

حكم من تلفظ بالكفر مازحا:

ذكر ابن عابدين الفقيه الحنفي أن المسلم إذا هزل “مزح” بلفظ كفر أو سجد لصنم أو وضع مصحفا في قاذورة فهو مرتد عن الإسلام ولو كان هازئا مازحا إن لم يعتقده وذلك لاستخفافه بالدين واستهانته بشعائره وأحكامه.
وبنحو هذا قال ابن قدامة الفقيه الحنبلي مستدلا بالآية (و لَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ .لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة 65-66.

هذا ومن المعروف أن للردة أثارا خطيرة ديانة وقضاء في الدنيا وفي الآخرة، ومن ذلك استتابة المرتد، ثم قتله حدا إن أصر على ردته، ومنها انفساخ عقد الزوجية مع زوجته فتحرم عليه بعد أن كانت حلالا له، ومنها فقدانه لأمواله وممتلكاته وبطلان تصرفاته فيها، ومنها نجاسة ذبيحته، ثم الخزي والعار والعذاب المهين في يوم الدين وغير ذلك مما يعرف في مواطنه.

وهكذا يتضح أن المزاح قد يكون كلمة تقال أو فعلا يقع بقصد الترويح عن النفس أو مداعبة الآخرين، لكنه قد يترك آثارا حقوقية بعضها خطير يمس الأحوال الشخصية أو الممتلكات المالية للآخرين على الشعائر والحرمات الدينية وأوقع صاحبه تحت مسؤولية خطيرة يصعب تجاوزها لأنها تمس المعتقدات الدينية وتجرح المشاعر العامة للأمة الإسلامية.

وفي ضوء ما تقدم يتضح مدى فظاعة، وسوء مصير من يهزل ويمزح في أمور الدين وشعائر الإسلام ضمن ما يسمي بالمسرحيات الكوميدية أو الرسوم الكاريكاتورية وغيرها من الممارسات المستقبحة شرعا وعقلا.