نظرة الناس تختلف إلى الأشياء ، فالعين قد تنظر إلى مواطن القبح ،هي هي يمكن لها أن تنظر إلى مواطن الجمال، فالشيء الواحد في الغالب ليس له وجه واحد ، بل له وجهان.
ويعجبنا قول الشاعر الحكيم :
كن جميلا ترى الوجود جميلا
إن ضيق اليد قد يكون ابتلاء من الله ، وقد يكون إهمالا من الإنسان ، وتركا للأخذ بالأسباب .
وقد يجعل المرء نفسه يعيش في ضيق وضنك ، ويمكن أن يجعل حياته حلوة ، فيها من السعادة ، فيصنع من البؤس سعادة وابتهاجا.
أن كما ترى نفسك
لقد علمنا النبي ﷺ أن نتفاءل ولا نتشاءم ، بل جعل التشاؤم من الأمور المرفوضة.
ومن العجيب أن الابتلاء قد يحمل معنى النعمة لا النقمة فالبلاء له معنيان :
الأول : الإنعام ، و هو بذل النعمة للغير ، كما في قوله تعالى : ( إن هذا لهو البلاء المبين ).
الثاني : الاختبار و الامتحان بالخير أو الشر ، كما في قوله تعالى : ( و نبلوكم بالشر و الخير فتنة ).
الحكمة من الابتلاءات
للبلاء حكم عديدة ، أهمها :
1- تمحيص الله لعباده، قال تعالى : { حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ }
2- و قد يكون الابتلاء قصاصاً في الدنيا مما تقترفه أيدي العباد ، و جزاءً لهم بالسيئة على السيئة .
قال تعالى : { ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَ هَلْ نُجَازِي إِلا الْكَفُورَ } [ سبأ : 17 ] و قال سبحانه : { فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَ بِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً }
3 -و قد ينزل البلاء على العباد رفعاً للدرجات ، و تكفيراً للخطايا و السيئات . قال رسول الله ﷺ : ( من يرد الله به خيراً يُصِبْ منه ) ، وقال ﷺ :( ما يصيب المسلم من هم و لا غم و لا نصب و لا وصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ) .
قال الإمام الغزالي رحمه الله : قال عيسى عليه السلام : لا يكون عالماً من لم يفرح بدخول المصائب و الأمراض عليه؛ لما يرجوه من ذلك من كفارة خطاياه.
هل كثرة الابتلاء هي عقوبة من الله
كون ما يحدث للمسلم عقابا ، ربما يكون هذا إن كان يقع في المعاصي والآثام، ليكفر الله تعالى عنه ، حتى يقابله وليس عليه خطيئة.
ونحسب أنه من رفع الدرجات له عند الله تعالى ، فارض بما قدر الله تعالى .
غير أن هذا لا يمنع أن يسعى المسلم لإسعاد نفسه ، فالإنسان حين يحصر نفسه في دائرة ، فيدور حولها ، وكان من الممكن له أن يكون سعيه وحركته خارج الدائرة ، فلا يلوم غيره ، أو يلقي اللائمة على أحد ، فما منعه أحد أن يخرج.
وحين يستشير الإنسان غيره في مشكلة له ، لا يعني هذا أنه ساخط على قدر الله ، بل هو يستعين بالله ، ويأخذ برأي أولي العلم والحكمة ، توكلا على الله ، وأخذا بالأسباب ، وقد كان النبي ﷺ يستشير أصحابه في معظم أموره ، وهو الغني عن مشورتهم ،ولكن ليعلمنا أهمية الشورى في حياتنا.
فاستنهض نفسك أيها المهموم مما أنت فيه ، وانظر مواطن النور ، واسع إليها ، وأحسن الظن بالله تعالى ، واخرج عن حدود الدائرة التي تحصر فيها نفسك ، ستجد الدنيا أوسع بكثير من هذه الدائرة التي سجنت فيها نفسك.
فإن صنعت كل هذا ، ولم يتغير الحال، فاعلم أن الله يرقي درجاتك عنده، وأنه يفضل لك الآخرة عن الدنيا .
إحسان الظن بالله
أحسن الظن بالله أيها المسلم المهموم الذي ترى أن الدنيا اسودت بوجهك وانظر إلى مواطن الجمال في حياتك ، والنقاط المضيئة التي يجب أن تنتبه لها ، ولو نظرت في حياتك ، لتلمست نعما كثيرة لله تعالى عليك .
كما أننا ننصح بقراءة كتاب ” جدد حياتك ” للشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – ، ففيه نظرة جيدة لترتيب العقل والفكر ، ونظرة متفائلة للحياة ، وسعيا للتغير الفعال للمسلم في حياته.