استعمال السجع في الدعاء مكروه ؛ لأنه في الغالب متكلف والسجع المتكلف لا يلائم الضراعة والذلة، وأفضل الدعاء ما كان بالمأثور، أما استعمال السجع في الخطبة فإذا كان القصد بالسجع الرياء والسمعة والتصنع بالفصاحة فهو حرام ، وإن كان القصد به وزن الكلام لتميل النفوس إلى قبوله والعمل بموجبه فلا بأس به في الخطب وغيرها.
يقول فضيلة الدكتور حسام عفانه – أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
ينبغي أن يعلم أن أفضل الأدعية هي المأثورة عن الرسول -ﷺ- ، وما ورد فيها من سجع فليس مقصوداً ، كما في قوله ﷺ: (اللهم منزل الكتاب سريع الحساب هازم الأحزاب) وكقوله ﷺ: (صدق وعده وأعز جنده) .
وأما ما يفعله الخطباء من استخدام السجع فهو مكروه ، لأنه في الغالب متكلف والسجع المتكلف لا يلائم الضراعة والذلة كما قال الإمام الغزالي ، وقد كره النبي -ﷺ- السجع ، كما ورد في الحديث عن أبي هريرة قال: ( اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها ، فاختصموا إلى رسول -ﷺ- فقضى أن دية جنينها غرة أو وليدة ، وقضى بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها ومن معهم ، فقال حمل بن النابغة الهذلي: يا رسول الله كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل؟ فمثل ذلك يُطلُ ، فقال رسول الله ﷺ : (إنما هذا من إخوان الكهان من أجل سجعه الذي سجع) رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم ، وفي رواية عند مسلم (أسجع كسجع الأعراب) .
قال الإمام النووي: “وأما قوله ﷺ (إنما هذا من إخوان الكهان من أجل سجعه) وفي الرواية الأخرى ( سجع كسجع الأعراب ) فقال العلماء: إنما ذم سجعه لوجهين:
أحدهما: أنه عارض به حكم الشرع ورام إبطاله.
والثاني: أنه تكلفه في مخاطبته ، وهذان الوجهان من السجع مذمومان.
أما السجع الذي كان النبي -ﷺ- يقوله في بعض الأوقات ، وهو مشهور في الحديث ، فليس من هذا لأنه لا يعارض به حكم الشرع ولا يتكلفه فلا نهي فيه بل هو حسن …. “شرح النووي على صحيح مسلم 12/327 .
وقال الإمام البخاري: باب ما يكره من السجع في الدعاء ، ثم ذكر أثر ابن عباس رضي الله عنه وفيه ” …. وانظر السجع من الدعاء فاجتنبه فإني عهدت الرسول ﷺ وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك الإجتناب ” انظر فتح الباري 13/388 – 389 .
وقال العز بن عبد السلام سلطان العلماء ، جواباً على سؤال يتعلق بمن يقصد السجع في كلام الناس وفي الخطب ونحوها ما نصه: “إذا كان القصد بالسجع الرياء والسمعة والتصنع بالفصاحة فهو حرام ، وإن كان القصد به وزن الكلام لتميل النفوس إلى قبوله والعمل بموجبه فلا بأس به في الخطب وغيرها ، وقد روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يتصفح كتبه إذا فرغ منها ، فإن وجد فيها كلاماً بليغاً فصيحاً نحّاه منها خوفاً من الرياء والسمعة والافتخار بالفصاحة ، ولا ينبغي للخطيب أن يذكر في الخطبة إلا ما كان يوافق مقاصدها ، من الثناء والدعاء والترغيب والترهيب ، بذكر الوعد والوعيد وكل ما يحث على طاعة أو يزجر عن معصية ، وكذلك تلاوة القرآن ، وكان النبي ﷺ يخطب بسورة (ق) في كثير من الأوقات لاشتمالها على ذكر الله والثناء عليه ، ثم على علمه بما به توسوس النفوس وبما تكتبه الملائكة على الإنسان من طاعة وعصيان ثم يذكر الموت وسكرته ثم يذكر القيامة وأهوالها والشهادة على الخلائق بأعمالها ، ثم يذكر الجنة والنار ثم يذكر الصيحة والنشور والخروج من القبور ، ثم بالوصية في الصلوات ، فما خرج عن هذه المقاصد فهو مبتدع “فتاوى شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام ص481 – 484 .
ويؤيد ذلك ما ورد في الحديث ، عن عبد الله بن عمرو أن الرسول ﷺ قال : ( إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة) رواه أبو داود والترمذي وأحمد ، وقال الشيخ الألباني: صحيح ، والمقصود بالحديث الرجل الذي يتشدق في الكلام بلسانه ويلفه ، كما تلف البقرة الكلأ بلسانها لفاً كما قال ابن الأثير في النهاية .