ابتكرت إحدى شركات تقنية المعلومات جهازا يمكن للمصلي أن يستغني عن إمساكه بالمصحف ويقوم بالتلاوة من خلال ترديد الآيات خلف القارئ الإلكتروني في الصلاة فهل يجوز الاستفادة من هذه التقنية وهل يمكن للمصلي الاستعانة بها في الصلاة وبخاصة إذا كان المصلي لا يحسن التلاوة، وبخاصة أيضا في المجتمعات الغربية التي يجد فيها المسلم صعوبة في تعلم أحكام دينه فضلا عن أن يجد من يعلمه أحكام التلاوة؟

لا خلاف في عدم جواز استخدام هذه التقنية بالنسبة للمأموم ، ووقع الخلاف في جواز استخدام هذه التقنية بالنسبة للإمام والمنفرد.

والفقهاء في المسألة بين مانع ومجيز وتفصيل القول في المسألة على النحو التالي:

الأستاذ الدكتور نصر فريد واصل مفتي -مصر الأسبق وأستاذ الفقه بجامعة الأزهر- أجاز استخدام هذه التقنية بالنسبة للإمام والمنفرد ومنعها بالنسبة للمأموم مع التأكيد على أن الحكم بالجواز مرهون بعدم تأثير ذلك على الخشوع وحضور القلب في الصلاة والذي هو روح الصلاة فقال فضيلته:

إن هذا الجهاز يعد من المبتكرات الحديثة التي تستهدف الحرص على حفظ كتاب الله، إلا أن استخدامه أثناء الصلاة مرهون بألا يكون له  تأثير على  الصلاة أو التركيز فيها ، بحيث يكون المصلي يقرأ ويسمع ما يقرأه من نفس الجهاز وتكون عملية التنبيه مستمرة ، من أجل الحرص على عدم الوقوع في الخطأ في التلاوة، مع تحقق التركيز في القرآن الذي يسمعه من هذا الجهاز وبصوت منخفض، فلذلك أرى أنه ليس فيه شيء.

أما إذا كان المصلي في صلاة جماعية ، فإذا كان هو الإمام فيمكنه أن يضع الجهاز في أذنه لتذكيره بأي خطأ قد يقع في قراءته ، وليس وراءه من يرده ، أما إذا كان المصلي مأموما، فليس عليه أن يضع هذا الجهاز، فهو يستخدم في الضرورة القصوى في صلاة الفرض أو الصلاة الجماعية خاصة في صلاة القيام بالنسبة للإمام فقط.

أما الدكتور عبد الرحمن العدوي -أستاذ الفقه وعضو مجمع البحوث الإسلامية- فقد رأى أن هذه التقنية تفسد على المرء صلاته وتذهب خشوعه ولذلك فلا يجوز استخدامها في الصلاة فقال:

الإنسان عندما يكون في الصلاة يجب عليه ألا يشغل نفسه بأي أمر من الأمور غير أداء الصلاة، وصلاة الإنسان لا تكون مقبولة إلا بالخشوع التام لله -سبحانه وتعالى- ، واستحضار الإنسان  أنه واقف بين يد الله جل جلاله. وفي ذلك يقول رسول الله   ” ليس للإنسان من صلاته إلا ما عقل منها.

وعلى هذا فإنه يكون من المرفوض في الصلاة أن يشتغل الإنسان بأي أمر من الأمور التي تلهيه عن الخشوع واستجماع قلبه وفكره وحواسه مع الله تعالى ، ويكون قد عرض عمله للفساد وعدم القبول ومن ذلك ما ذكر من أن المسلم  يضع في أذنه جهاز يتلو عليه القرآن الكريم ويردد وراء ما يسمعه حتى يحفظ السورة التي اختارها.

وإذا كان الرسول –- أمر الذين يقرءون القرآن أن يخفضوا أصواتهم عندما يكونون بالقرب ممن يصلي حتى لا يشغلوه عن صلاته فإن هذا الجهاز الذي يتسلط على أذن المصلي وسمعه أشد في شغله عن الصلاة، فكيف يمكن للمصلي أن يقرأ ما تيسر له من القرآن في الصلاة ويستجمع خشوعه في الصلاة وفي أذنه ما يشغله عن ذلك، فالرسول – - عندما كان يصلي في الصلاة الجهرية كان بعض الصحابة يردد ورائه ،فالتبست عليه القراءة فلما انصرف أقبل على الصحابة بوجهه وقال هل تقرءون إذا جهرت بالقراءة فقال بعضنا إنا نصنع ذلك قال فلا ، وأنا أقول ما لي ينازعني القرآن،فلا تقرؤوا بشيء من القرآن إذا جهرت”.

فإذا كانت قراءة الفرد تعتبر منازعة لمن سمع قراءته فمن باب أولى فإن القراءة من الجهاز هي صرف له عن تدبر قراءته بنفسه وعن استحضار وقوفه بين يد الله تعالى وتؤدي غالبا إلى نسيان عدد الركعات التي أداها لأنه مشغول انشغالا كاملا لأنه متسلط.

ولذلك نقرر أن هذا الجهاز مفسد لصلاة الإنسان إذا استعمله أثناء الصلاة ؛ لأنه يجرده من كل معاني الخشوع المطلوبة منه في وقوفه بين يدي الله سبحانه وتعالى، وبذلك تكون صلاته متجردة من الغاية المطلوبة منها وهي أن تنهاه عن الفحشاء والمنكر، و من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له.

وجاء رأي فضيلة الدكتور أحمد طه ريان – أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر ، وعضو مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا- متفقا مع الرأي السابق وأكد على أن المنع من استخدام هذا الجهاز في الصلاة يتأكد إذا كان المصلي مأموما فقال فضيلته:

إننا  مطالبون في الأصل بالاستماع والإنصات عند قراءة القرآن الكريم ، حيث يقول تعالى ” وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ”.

فالآية السابقة تفيد أمرين:

الأمر الأول:ضرورة الاستماع إلى ما يقرأ من القرآن الكريم.

والأمر الثاني:الإنصات بمعنى عدم الانشغال عن الاستماع.

فالإنسان عليه أن يمتنع عن العمل والكلام  أثناء الصلاة،  بالإضافة إلى أنه ممنوع أن يستمع إلى أي شيء خارج قراءة الإمام في الصلاة ، بل مطلوب من المأموم أن يستمع إلى الإمام ويتدبر في معاني القراءة التي يقرأها الإمام ، لا أن ينشغل عنها بسماع شيء آخر ؛ لأن هذا الجهاز سيشغله عن التدبر المطلوب من قراءة الإمام، فالتدبر هو المطلوب ولسنا مطالبين بالحفظ.

فإذا وفق الله المسلم  فحفظ من وراء الإمام فهو خير ، وإلا فإنه ليس مطالبا بهذا الحفظ،  خاصة وأن المصلي لم يأت للصلاة لحفظ ما يقرأه الإمام،  ولذلك العلماء قالوا يكره في صلاة التراويح أن يمسك المأمومين بالمصاحف لمتابعة الإمام بل عليهم أن يستمعوا وينصتوا حتى يتدبروا ما يقرأ  الإمام.

وكما أن الاستماع إلى هذا الجهاز أثناء الصلاة ممنوع في الفرض وراء الإمام، فإنه لا يجوز أيضا في صلاة النافلة ؛ لأن الصلاة تحتاج إلى توجيه الذهن والقلب للخشوع في الصلاة وعدم التركيز في شيء آخر، وهو ما يجعل الاستماع لهذا الجهاز حائلا دون تحقق ذلك ، وفي هذا يقول الله تعالى ” ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه “.انتهى

فالحكم في هذه المسألة يقتضي الحديث عن الأمور الآتية:

1-   حفظ القرآن فريضة أم فضيلة؟

2-   حكم قراءة القرآن في الصلاة؟

3- حكم صلاة من لا يحفظ شيئا من القرآن؟

حفظ القرآن فريضة أم فضيلة؟

لا شك أن الحرص على حفظ كتاب الله عز وجل هدف نبيل وقد تواترت الأحاديث التي ترغب في حفظ كلام الله عز وجل ومن ذلكما رواه الترمذي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله : ” إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب “وقوله ” خيركم من تعلم القرآن وعلمه ” رواه البخاري.

فينبغي على المسلم أن يحرص على حفظ كتاب الله وتعلم أحكامه، ولكن حفظ القرآن فضيلة وليس فريضة ولا يجب على المسلم حفظ شيء من القرآن سوى سورة الفاتحة لتوقف صحة الصلاة عليها لقوله “لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب” رواه البخاري.

وما زاد عن الفاتحة فجمهور الفقهاء على أنه لا يجب تعلمه ففي الحديث “في كل صلاة قراءة، فما أسمعنا النبي -- أسمعناكم،وما أخفى منا أخفينا منكم، فمن قرأ بأم القرآن فقد أجزأت عنه، ومن زاد فهو أفضل” رواه مسلم.

حكم قراءة القرآن في الصلاة وحكم صلاة من لا يحفظ شيئا من القرآن؟

وإذا كان رسول الله قد حثنا على حفظ كتاب الله وتلاوته فلا شك أن ذلك ليس في رحاب الصلاة ، فالمطلوب من المسلم أن يستجمع قلبه وجوارحه قبل الدخول في الصلاة فلا ينشغل بشيء سوى ما يتلوه أو يتلى عليه من كتاب الله ، وانشغال المصلي بالترديد من خلف هذا الجهاز يتنافى مع هذا الأمر بل إن فيه نوع من التكلف وقد جاءت الشريعة لرفع الحرج والله سبحانه وتعالى لم يتعبدنا بما فيه مشقة قال تعالى “فاتقوا الله ما استطعتم” “وما جعل عليكم في الدين من حرج”.

ولذلك فإذا كان المسلم يحفظ الفاتحة والقليل من القرآن فهذا حسبه فالعبرة ليست في كثرة ما يتلوه المصلي في صلاته ولكن بتدبره لما يتلوه أو يتلى عليه ، فقد قام النبي ليلة بآية واحدة حتى أصبح!.

بل قرر الفقهاء أن العاجز عن قراءة الفاتحة عليه أن يصلي جماعة خلف من يحسنها ، فإن لم يجد فليردد بدل الفاتحة قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ففي الحديث “جاء رجل إلى النبي فقال: إني لا أستطيع أن آخذ شيئاً من القرآن فعلمني ما يجزئني فقال: “قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولاحول ولا قوة إلا بالله”.. رواه أحمد وأبو داود والنسائي.

ولو كان مشروعا لمن لا يحفظ الفاتحة أو غيرها أن يلقنه غيره –سواء كان إنسانا أو آلة- لأرشدنا إلى ذلك رسول الله ، وقد كان الحفاظ كثر في عهده ولكن لم يحدث ذلك ، ولكن أرشد السائل أن يردد بدل الفاتحة قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وكأن رسول الله يريد أن يقطع المصلى كل علاقة مع الغير إذا أقبل على ربه ودخل في الصلاة حتى وإن كان هذا الغير سيسمعه كلام الله ، بحيث لا يكون بين العبد وربه أي واسطة، فيقبل على الله يناجيه بكل جوارحه فيتحقق المقصود الأسمى وهو خشوع القلب واستشعار لذة المناجاة.