لايجوز التعامل مع البنوك الربوية فما ينتج عنها فهو ربا ، حتى لو كان بنية التبرع بالفوائد ؛ فالله طيب لا يقبل إلا طيبا ، وهذه الفوائد هي الربا الحرام ،كما لا يجوز إيداع الأموال في البنوك الربوية بنية التصدق بفوائدها.
وبوسع كل مسلم يخشى على دينه أن يتعامل مع المصارف الإسلامية ، يستفيد من أرباحها كيف شاء، فلا حرج في التعامل مع البنوك الإسلامية،فهي بنوك إسلامية اسما ومعنى ، ولها هيئات شرعية ومستشارون شرعيون ، تتم من خلالهم مراجعة العقود لتتوافق مع أحكام الشريعة .
والبنوك الإسلامية هي أكبر آثار الصحوة الإسلامية المباركة التي تنشد مجتمعا ربانيا . ولسنا نعني الفروع الإسلامية في البنوك الربوية فهذه البنوك لا ننصح بالتعامل معها ، لكن نعني البنوك الإسلامية من الأصل.
وأما من كان يتعامل مع البنوك الربوية فلا يجوز له أن يترك الفوائد لها ، بل عليه أن يأخذها ، ويتخلص منها في فوائد البر والخيرات، فينفقها في مصالح الفقراء والمحتاجين ، ثم يسحب وديعته من البنك الربوي فورا ، ويودعها بنكا إسلاميا .
وأما الجائزة التي جاءت على الحساب دون طلب أو انتظار من صاحب الحساب لها ، فقد يسعه أن ينتفع بها ، والأورع أن يتخلص منها في وجوه الخير.
هل التعامل مع البنوك الإسلامية حلال
يقول الدكتور يوسف القرضاوي :-
فإن التعامل مع البنوك الإسلامية حلال لا شك فيه، ومطلوب منا أن ندعمه، فمنذ زمن طويل كنا نحلم ببنك إسلامي، وكان يرد علينا أعداء الحل الإسلامي، قائلين: لا تحلموا هذا مستحيل، فلا دولة بلا اقتصاد، ولا اقتصاد بغير بنوك، ولا بنوك بغير ربا. ثم تحقق الحلم، وبتحققه يعيش المسلم مرتاح الضمير، ولذا قلنا بحل وضع الأموال في البنوك الإسلامية، حيث إن بها رقابة شرعية تشرف على هذه البنوك. انتهى.
ويقول الدكتور يوسف القرضاوي في جواب للجالية الإسلامية عن حكم إيداعها أموالها في البنوك الربوية بنية التبرع بالفوائد في نصالح المسلمين:-
جو الظروف التي تعيشها الجاليات الاسلامية في الغرب،وفي ظل تصاعد الصحوة الاسلامية المعاصرة،التي أشعرت المسلمين بهويتهم الدينية والثقافية والتربوية والاجتماعية والرياضية،وعجز الموارد الذاتية عن تمويل هذه المشروعات الضرورية والمهمة،وعدم وجود مؤسسات ماليه اسلامية تتعامل في دائرة الحلال شرعا.
لا يسع المفتي الذي ينظر إلى الإسلام ومقاصده بعين،وينظر الى العصر الحاضر ومشكلاته بالعين الأخرى،والذي يؤمن بقاعدة وجوب تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والعرف والحال،الا أن يقدر ظروف الاخوة الذين وجهوا هذا السؤال المهم،منطلقين من معرفتهم بالواقع الذي يمارسونه ويعانون مصاعبه،ومعرفتهم أيضا بشح كثير من الموارد والمعونات التي كانت تدر عليهم كثيرا فيما مضى،حتى إن بعض الأبواب كادت تكون مغلقة في وجوههم،في حين تتدفق المعونات بمئات الملايين،بل بالبلايين،على مؤسسات التنصير وأشباهها.
ومن ثم لا نرى في ضوء تلك الظروف القاسية،والحاجات الداعية،إلا أن نفتي بجواز أن تطلب الهيئات الخيرية الإسلامية من المسلمين تحويل حساباتهم الجارية (ذات الفوائد الربوية القليلة)إلى حسابات توفير (ذات فوائد ربوية عالية) بشرط أن تحول هذه الفوائد لصالح العمل الخيري الإسلامي،بدل تركه للبنوك.
ويؤيد وجهتنا هنا ما ذكرناه:
1ـ حاجات المسلمين الملحة و الحاجة قد تنـزل منـزلة الضرورة،خاصة أو عامة.
2ـ عجز الموارد الذاتية للمسلمين عن تمويل تلك المشروعات وتلبية تلك الحاجات.
3ـ ضعف المساعدات الخارجية،بل نضوبها في بعض المواقع.
4ـ قوة الجهات المعارضة للإسلام ووفرة مواردها.
يؤكد هذا ضرورة التخفيف على من يعيشون خارج دار الإسلام،بعيدا عن المجتمع الإسلامي،ويزيده تأكيدا وجود بعض المذاهب الفقهية التي تجيز التعامل بالعقود الفاسدة خارج دار الإسلام.
كل ما نركز عليه في هذا المقام:أن يكون المنتفع بهذه الفوائد هو جهات الخير،وليس أصحاب المال.
كما يجوز للهيئات الخيرية الإسلامية أن تطلب من المسلمين التبرع بهذه الفوائد الربوية لإقامة مشروعات خيرية لفقراء المسلمين.لأن هذه أموال محرمة،ومصرفها هو الفقراء والجهات الخيرية ومصالح المسلمين.
كما يجوز صرفها لإطعام الفقراء،وكذلك لشراء ما يحتاجون إليه من كسوة ودواء وغيرهما.
هل يجوز التصدق بأموال الفوائد الربوية
يقول الدكتور يوسف القرضاوي لا يقال هنا:كيف يرضى المسلم الفقير ما لا يرضاه لنفسه،فإذا كان هو قد رفض الإنتفاع بالمال الملوث،فكيف يقبل أن ينتفع به الفقير؟
ونقول هنا:إن المال حرام على من وضعه في البنك واستحق عليه الفوائد،ولكنه حلال للفقير،بل هو مصرفه الشرعي الذي لا ينبغي الخلاف فيه.والمال لا يلوث في ذاته،إنما هو ملوث بالنسبة لشخص معين،لأنه كسبه من جهة غير مشروعة،وهو طاهر وسائغ بالنسبة لغيره.
ثم هو ليس صدقة من واضع المال في البنك حتى يقال:لا يقبل الله صدقة من حرام،لأنا نقول:هو ليس صدقة منه،لأنه مال حرام والحرام لا يملك.إنما هو وسيط خير لتوصيل هذا المال إلى فقراء المسلمين وإلى الهيئات الخيرية التي تخدمهم،عن طريق الاستفادة من قوانين غير المسلمين في تنمية أموالهم ولو بالفوائد،بحكم الضرورة،بدل تعطيلها كليا أو جزئيا،فلا يستفيدون منها،وإنما يستفيد منها غيرهم.
وإذا أجزنا للهيئات الخيرية أن تطلب من المسلمين أن يحولوا حساباتهم الجارية إلى حسابات توفير،طلبا للفوائد العالية على أن تحول إلى الهيئات الخيرية..فمن باب أولى أن نجيز لهذه الهيئات أن تضع أموالها الخاصة في الحسابات الأعلى فائدة.
أما ترك الفوائد الربوية للبنك الربوي،فهو أمر لا يجوز؛لأنه حرم الفقراء والجمعيات الخيرية من نفع محقق ضاع عليهم واستفاد منه غيرهم.ويتأكد هذا في البنوك الأجنبية،فإن هذه البنوك تتبرع عادة بالفوائد المتروكة لديها إلى جهات غير إسلامية،أي إلى جماعات التنصير وغيرها،.ومعنى هذا:أن أموال المسلمين أمست أسلحة في أيدي أعداء المسلمين يحاربونهم بها،ويوجهونها إلى صدورهم سرا وعلانية.فهذا لا نظن أن له أجرا بل عليه الوزر إلا أن يعفو الله عنه،أو يعذره بجهله،مع أن الجهل في دارالإسلام ليس عذرا.ومن جهل حكما فالواجب عليه أن يسأل.
هل من يعطي الفوائد الربوية إلى الجهات الخيرية الإسلامية له أجر
يقول الدكتور يوسف القرضاوي من يحول الفوائد إلى الهيئات الخيرية الإسلامية ونحوها،فنعتقد أن له إن شاء الله أجرا من جهتين:
الأولى: أنه تعفف عن استخدام المال الحرام لنفسه،وأبى أن يدخله في ملكه،مخافة الله تعالى،وابتغاء مرضاته.وبعض الناس لا يتورعون من ذلك.
الثانية: أنه كان وسيط خير في إيصال هذا المال أو هذه الفوائد إلى هيئات الخير،وكان يمكن أن يضيع ولا ينتفع به المسلمون.وقد قال تعالى:{فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره} الزلزلة:7.
وقال سبحانه:{إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما}النساء:40.
ولكن لا يثاب صاحب أصل هذا المال ثواب الصدقة،كما قد يتوهم البعض،لأن الله لا يقبل صدقة من مال حرام،كما في الحديث الصحيح”لا يقبل الله صدقة من غلول”رواه مسلم.وقد بينا أنه ليس بصدقة فهو غير مملوك له شرعا.
ومع ترخيصنا للهيئات الخيرية الإسلامية باستعمال هذه الفوائد لصالح الجماعات الإسلامية،نوصي هذه الجماعات أن تجتهد ما استطاعت في إقامة مشروعات مالية واقتصادية،بعيدة عن كل الشوائب،تشترك فيها أموال المسلمين وخبراتهم وجهودهم،ولا بأس أن تبدأ صغيرة ثم تكبر،ضعيفة ثم تقوى،محدودة ثم تنتشر.ومن جد وجد،ومن سار على الدرب وصل،ولكل مجتهد نصيب،وإنما لكل امرئ ما نوى وإذا وجدت مؤسسات مالية إسلامية تلتـزم بالشريعة وأحكامها فالواجب على المسلمين دعمها،بكل ما يستطيعون،والعدول عن المؤسسات الربوية.{ومن يتق الله يجعل له مخرجا.ويرزقه من حيث لا يحتسب،ومن يتوكل على الله فهو حسبه،إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا}الطلاق:2، 3.