ليس لآحاد الأمة أن يقيموا الحدود إذا تغافل عنها الحكام ، لئلا يحدث ما يفتت الأمة ،فلكل فيها وظيفته ، وإقامة الحدود من وظيفة الحاكم المسلم ،فإن لم يقمها ،فهو يتحمل إثم تعطيل حدود الله، ولكن لا يقوم آحاد الأمة بتطبيقها .

ما حكم إقامة الحد من آحاد الناس

يقول الدكتور محمد بكر إسماعيل الأستاذ بجامعة الأزهر :

إن من يقول من الأفراد إقامة آحاد الأمة للحدود جائز هذا ضالّ مخطئ ، ولا يدري ماذا يقول، ولا يبالي بعذاب الله تعالى، ولكنه مع ذلك كله لا يُحْكَم عليه بالرِّدَّة إلا بقوله: الصلاة ليست واجبة عليّ. فهذا القول هو إنكار لأمر عُلِمَ من الدين بالضرورة، أي ضُبِطَ بدليل قَطْعيّ لا يقبل الجدل.
كذلك من يقول أن معاملة النصارى أفضل من معاملة المسلمين فلا يجعله مرتدًّا إلا إذا مال قلبه إلى النصرانية وأبغض الإسلام فعندئذٍ يكون مرتدًّا.

ومن لا يتورع عن ارتكاب الفواحش والمنكرات، فإن كان معتقدًا حِلَّها فهو فاسق، وليس بكافر مرتد.
وكذلك يرتد عن الإسلام كلُّ مَن سَبَّ نبيًّا من الأنبياء، أو طعن في القرآن أو السنة المتواترة المقطوع بصحتها إلى غير ذلك مما نَصَّ عليه الفقهاء في كتبهم.
ولكن هذا الأمر موكول إلى الحاكم الذي يحكم فيه بشرع الله. ولا يجوز لأفرد الأمة إقامة الحد بنفسها دون العودة إلى الحاكم أو إلى الجهة المتخصة وإلا صارت الفوضى وعم البلاء في المجتمع.

من له الحق في إقامة الحد

قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: “وقسْمة الفيء، وإقامة الحدود؛ إلى الأئمة ماضٍ، ليس لأحد أن يطعن عليهم، ولا ينازعهم” اهـ

يقول القرطبي رحمه الله: «لا خلاف أن القصاص في القتل لا يقيمه إلا أولو الأمر الذين فرض عليهم النهوض بالقصاص وإقامة الحدود وغير ذلك لأن الله سبحانه خاطب جميع المؤمنين بالقصاص ثم لا يتهيأ للمؤمنين جميعًا أن يجتمعوا على القصاص فأقاموا السلطان مقام أنفسهم في إقامة القصاص وغيره من الحدود.انتهى

يقول الشيخ أبو اسحاق الحويني -رحمه الله تعالى -: إقامة الحد في الأصل إنما تكون للسلطان ولذي الشوكة أو من ينيبه هذا هو المشهور في كتب أهل العلم، والمسألة مرتبطة بالمصالح والمفاسد، فإذا غاب السلطان، فهناك لفيف من أهل العلم يجوِّزون لأحد الرعية أن يقوم بالحد، بشرط أن لا يترتب عليه مفسدة أعظم من المصلحة الناجمة من إقامة الحد.

لذلك أنا في اعتقادي وقناعتي بما أراه من الواقع الآن أن إقامة الحد لآحاد الرعية فتح باب لشر عظيم، لذلك إذا غلبت المفسدة على المصلحة يجب أن يتوقف.انتهى

هل يجوز للأفراد إقامة الحدود إذا لم توجد محاكم شرعية

يقول الشيخ ابن باز رحمه الله: إذا لم توجد محاكم شرعية؛ فالنصيحة فقط، النصيحة لولاة الأمور، وتوجيههم للخير، والتعاون معهم، حتى يُحَكِّموا شرع الله، أما أن الآمر والناهي يمد يده، أو يقتل أو يضرب؛ فلا يجوز، لكن يتعاون مع ولاة الأمور بالتي هي أحسن، حتى يحكموا شرع الله في عباد الله، وإلا فواجبه النصح، وواجبه التوجيه إلى الخير، وواجبه إنكار المنكر بالتي هي أحسن، هذا هو واجبه، قال الله تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن: 16]. ولأن إنكاره باليد بالقتل أو الضرب؛ يترتب عليه شر أكثر، وفساد أعظم بلا شك ولا ريب، لكل من سَبَرَ هذه الأمور وعرفها.اهـ.