العقيقة هي الذبيحة عن المولود، وقد كانت معروفة عند العرب قبل الإسلام، فكان إذا وُلِدَ لأحدهم غلام ذبح شَاةً ولَطَّخَ رأسه بدمها، فلما جاء الإسلام أمر بذبح الشاة وحَلْقِ رأس المولود وتلطيخه بالزعفران، كما روا أبو داود عن بُريدة، وسميت العقيقة باسم الشَّعْرِ الذي على رأس الصبي حين يُولد، لأنه يُحلق عند الذبح، وكذلك الحيوان حين يولد يُسَمَّى شَعْرُهُ عقيقة، واختلف الفقهاء في حكمها على ثلاثة أقوال:

(أ) فقيل: إنها مكروهة، وذلك لخبر عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سئل عن العقيقة فقال: “لا أحب العُقوق”. ولأنها من فعل أهل الكتاب وجاء في ذلك حديث البيهقي. أن اليهود تعق عن الغلام ولا تعق عن الجارية، ولما رواه أحمد أن الحسن بن علي لما ولد أرادت فاطمة أن تَعُقُّ عنه بكبشين فقال لها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ “لا تَعُقِّي، ولكن احلقي رأسه فتصدقي بوزنه من الوَرِقِ ـ الفضة” ثم وُلِدَ الحسين فصنعت مثل ذلك.
وقد أُجيب على الحديث بأن النبي كَرِهَ اسمها ولم يكره فعلها، وعلى الحديث الثاني بأن النبي ما كره من اليهود إلا تفرقتهم بين الغلام والجارية، حيث لم يَعُقُّوا عنها، وعلى الحديث الثالث بأنه لا يَصِحُّ.

(ب) وقيل: إنها سُنَّةٌ، وبه قال أهل الحديث وجمهور الفقهاء، ولهم في ذلك عدة أحاديث، منها “الغلام مُرْتَهَنٌ بعقيقته، تُذبح عنه يوم السابع، ويحلق رأسه” رواه أصحاب السنن من حديث سَمُرَةَ بن جندب، وصححه الترمذي ، ومنها حديث: أَمَرَ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بتسمية المولود يوم سابعه، ووَضْعِ الأذى عنه، والْعُقِّ. رواه الترمذي أيضًا.
ومعنى: مرتهن بعقيقته أنه لا ينمو نمو مثله، ولا يُستبعد أن تكون سببًا في حسن نَبَاتِ المولود وحفظه من الشيطان فهي تخليص له من حبسه ومنعه عن السعي في مصالح آخرته. وقيل: أن المعنى إذا لم يَعُقّْ عنه والده لا يَشفع لهن كما قاله الإمام أحمد، لكن التفسير الأول أحسن.

(جـ) وقيل: إنها واجبة، وبه قال الليث والحسن وأهل الظاهر.
والسُّنَّةُ أن يعق عن الذكر بشاتين، وعن الأنثى بشاة، وذلك لحديث عائشة الذي رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح.
قال العلماء: إن البنت كانت على النصف من الولد تشبيهًا للعقيقة بالدِّيَّةِ. وقالوا: إن أصل العقيقة يتأدى عن الغلام بشاة، لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عَقَّ عن الحسن، الذي وُلِدَ عام أُحد، وعن الحسين الذي ولد بعده بعام ، كبشًا كَبْشًا. والأكمل شاتان للولد، ففي موطأ الإمام مالك عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : “مَنْ أَحَبَّ منكم أن يُنْسَكَ عن ولده فَلْيفعل، عن الغلام شاتانِ، وعن الجارية شاةً”.

الحكمة في مشروعيتها أنها قُرْبة إلى الله، يُرجى بها نفع المولود بدعاء الفقراء له عندما يَطعمون منها، وهي أيضًا شُكْرٌ لله على نعمة الولد، فالذُّرِّيَّة محبوبة طبعًا ومطلوبة شرعًا، بَشَّرَ الله بها إبراهيم وزكريا عليهما السلام، وفيها أيضًا: إشْهار للمولود لِيُعرف نَسَبُهُ وتُحفظ حقوقه، وهي كَفِدية عنه، تَشَبُّهًا بفداء إسماعيل الذبيح بالكبش.
هذا، ويشبه العقيقة بالأضحية، وفداء إسماعيل نُقِلَ عن الحنابلة : أنه لو اجْتَمَعَ يومُ النَّحْرِ مع يومِ القعيقة يمكن الاستغناء بذبيحة واحدة عنهما إذا اجتمع يوم عيد مع يوم جمعة فإنه يكفي غُسْلٌ واحد لهما.