قال :(المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبَّك بين أصابعه).

وقال : (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه). وهو معناه أنه لا يتم إيمانه ولا يكمل إيمانه الواجب إلا بهذا.

وقال :(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). فجعل المسلمين شيئاً واحداً، وجسداً واحداً، وبناءً واحداً، فوجب عليهم أن يتراحموا، وأن يتعاطفوا، وأن يتناصحوا، وأن يتواصوا بالحق، وأن يعطف بعضهم على بعض.

ما هو واجب المسلمين تجاه غزة؟

لا شك أن سكوت المسلمين عما يحصل لأهلنا في غزة هاشم يعد من باب الكبائر، ويعتبر خيانة لله ورسوله وللمؤمنين،وقد قال الله تعالى:{إنما المؤمنون إخوة} سورة الحجرات الآية: 10، وقال رسول الله :(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) رواه مسلم.

قال القاضي عياض: [فتشبيه المؤمنين بالجسد الواحد تمثيلٌ صحيحٌ، وفيه تقريبٌ للفهم وإظهار للمعاني في الصور المرئية، وفيه تعظيم حقوق المسلمين، والحض على تعاونهم وملاطفة بعضهم بعضاً.

وقال ابن أبي جمرة: شبَّه النبي الإيمان بالجسد وأهله بالأعضاء لأن الإيمان أصل وفروعه التكاليف، فإذا أخلَّ المرءُ بشيءٍ من التكاليف شأن ذلك الإخلال بالأصل، وكذلك الجسد أصل الشجرة وأعضاؤه كالأغصان، فإذا اشتكى عضو من الأعضاء اشتكت الأعضاء كلها، كالشجرة إذا ضرب غصن من أغصانها اهتزت الأغصان كلها بالتحرك والاضطراب] فتح الباري 10/540.

-وقال رسول الله : (المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يدٌ على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم) رواه أبو داود والنسائي والحاكم وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع . وغير ذلك من النصوص.

فكل مسلم يفهم حقيقة هذا الدين فهماً صحيحاً، لا بد أن يقدم ما يستطيع لنصرة المسلمين المستضعفين الذين يتعرضون لأشرس الحروب وأقذرها، ومن لم يفعل فعليه أن يراجع نفسه، لأن منهج أهل السنة والجماعة يقضي أن يقف المسلم مع أخيه المسلم، وأن يكون عوناً له.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية عند حديثه عن أصول أهل السنة والجماعة: [ ثم هم مع هذه الأصول يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة. ويرون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء أبراراً كانوا أو فجاراً، ويحافظون على الجماعات. ويدينون بالنصيحة للأمة، ويعتقدون معنى قوله : (المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص؛ يشدُ بعضُه بعضاً وشبَّك بين أصابعه، وقوله : (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو؛ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ). ويأمرون بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء والرضا بمر القضاء.] العقيدة الواسطية.

هل يجوز خذلان أهل غزة؟

من يخذل المسلمين ويسهم في حصارهم ويمنع العون عنهم فإن الله عز وجل سيخذله، كما أخبر رسول الله : (ما من امرئٍ يخذل امرءاً مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحدٍ ينصر مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته) رواه أحمد وأبو داود وحسنه العلامة الألباني في صحيح الجامع.

إذا تقرر هذا فإن واجب المسلمين هو نصرة إخوانهم المسلمين ومدُّ يد العون والمساعدة لهم كلٌ حسب وسعه وطاقته.

وأقل ذلك الدعاء لهم، ومن ذلك القنوت في الصلوات المفروضات، وهذا هو قنوت النوازل:

-فمن الثابت من هدي النبي أنه قنت أحياناً في النوازل التي كانت على عهده كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان النبي يدعو في القنوت اللهم أنج سلمة بن هشام اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم سنين كسني يوسف) رواه البخاري.

-وفي رواية أخرى عند البخاري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن رسول الله كان إذا أراد أن يدعو على أحدٍ أو يدعو لأحدٍ قنت بعد الركوع فربما قال إذا قال سمع الله لمن حمده: اللهم ربنا لك الحمد اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسني يوسف يجهر بذلك.

-وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر: اللهم العن فلاناً وفلاناً لأحياء من العرب حتى أنزل الله { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} سورة آل عمران الآية 128.

-وفي رواية عند مسلم عن أبي سلمة أن أبا هريرة رضي الله عنه حدثهم ( أن النبي قنت بعد الركعة في صلاة شهراً إذا قال سمع الله لمن حمده يقول في قنوته: اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم نج سلمة بن هشام اللهم نج عياش بن أبي ربيعة اللهم نج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف) قال أبو هريرة ثم رأيت رسول الله ترك الدعاء بعد …).

والذي يؤخذ من هذه الأحاديث وغيرها مشروعية القنوت عند النوازل والمصائب والبلايا العامة في الصلوات الخمس ويقنت الإمام جهراً في جميع الصلوات بعد الركوع ويجوز قبله فإذا ارتفعت النازلة ترك القنوت.

وختاماً يجب التذكير ببعض القضايا الهامة في ظل الظروف العصيبة التي تعيشها الأمة الإسلامية في هذه الأيام.

-فمن ذلك أنه لا بد من التوكل على الله سبحانه وتعالى وأن نفوض أمرنا لله عز وجل فالأمور كلها بيده يعز من يشاء ويذل من يشاء.

-ولا بد للمسلم الصادق أن يطهر إيمانه من الولاء للكافرين.

-وليحذر المسلم من أن يحب ظهور الكافرين على المسلمين أو يتمنى ذلك أو يشمت بما حصل للمسلمين، فإن هذا يطعن في إيمانه.

-وعلى المسلم الصادق أن يوقن أن الله قد وعد هذه الأمة بالتمكين لدينه ونصر أوليائه قال الله تعالى:{ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} سورة المجادلة الآية 21 .

وخلاصة الأمر أنه واجب على الأمة المسلمة جمعاء، نصرة المسلمين المستضعفين، ومدهم بكل عونٍ ومساعدة كل بما يستطيع، وأقلُ ذلك لمن لا يستطيع عمل أي شيء فلا يقعد مكتوف الأيدي بل يجب عليه الدعاء لهم بنصرهم وتأييدهم، والدعاء على عدوهم وأعوانه ومناصريه بالهزيمة والخذلان.