الصوم والصلاة كلاهما عبادة مستقلة وركن من أركان الإسلام لا تغني إحداهما عن الأخرى، ومَن صام، وترك الصلاة فقد ترك الأهمَّ في تقويم الإسلام، فإن لم يكن مُؤمنًا بما ترك كان خارجًا عن الإسلام ولا ينفعه صومٌ ولا زكاة ، وإن كان مُؤمنًا بما ترك كان فاسقًا عن أمر ربه، وكان صومه مع ترك الصلاة قرينةً واضحة على أنه لم يصمْ امتثالًا لأمر الله ، والأصل أن يجمع المسلم بين الصلاة والصوم؛ امتثالًا لأمر الله وطلبًا لرضوانه، وتحقيقًا لواجب الإيمان.
يقول الشيخ محمود شلتوت- رحمه الله- :
الصوم عبادة مستقلة :
صلاة الخَمْس في اليوم والليلة، وصوم شهر رمضان، كلاهما فريضة من فرائض الإسلام الأولَى، وكلاهما ركن من أركانه الخمس التي بُني عليها، وجُعلت في حكم الله عُمده التي يقوم عليها، وهما ركنان بَدَنِيَّانِ. فالصلاة يستحضر بها المسلم عظمة مَولاه عن طريق الوقوف بين يديه ومُناجاته ربَّه، وتُعظم مراقبته إيَّاه، وبالصوم تُطهَّر نفسه من بواعث الشهْوة، وتُخلَّص من مُكدِّرات الروح شهرًا كاملًا من السنة كلها، ويتكرر درس التصفية والرياضة كلما حلَّ رمضان في كل عام. وهما إن اشتركَا في الغاية والهدف، وكوَّنَا غذاءً قويًّا للإيمان، إلا أن كلًّا منهما، فريضة مستقلة ـ في الطلب والتكليف والجزاء ـ عن الأخرى، ولا يكمل الإيمان إلا بهما مضمومًا إليهما الزكاة والحج، فمَن صام وصلَّى وزكَّى وحجَّ فقد كمُل إيمانه، ومَن تركها فقدْ فَقَدَ جميع الشعائر الدالة على صدق الإيمان وكل إيمانه مجرد دعوَى، لا يُقام لها عند الله ولا عند الناس وزْنٌ، ومَن أتى بواحدةٍ منها، أو تركَ منها، كان مُقَوِّضًا مِن عُمُدِ الإسلام بقدْر ما ترك، وسقط عنه التكليف الدنيوي بما أتى به.
مكانة الصلاة بين الفرائض:
وللصلاة مِن بين أركان الإسلام خصائص: فهي أول رُكنٍ فُرض بعد الإيمان، وهي الدرْس المتكرر في كل يوم، وهي الشعار الخاص الفارق بين الإيمان والكُفر، وهي لا تسقط عن المسلم إلا إذا خرج عن أهلية التكليف، فهي تُؤدَّى من قيام للقادر، ومن قعود أو إيماء للعاجز، في السفر وفي الحضر، في الأمن وفي الخوف، في الصحة وفي المرض. ولا كذلك الصوم الذي يسقط ببدل القضاء أو الفدية، وقد تكرَّر طلب القرآن للصلاة مُقترنة بالإيمان في معظم مَوارده.
أما الصوم فلم يَعرض له القرآن إلَّا في آياته الخاصة الواردة في سورة البقرة، وقد ربط بالصلاة ـ من الثمرات الروحية وطهَّر الجوارح ـ ما لم يُصرَّح بمثله في الصوم.
دلَّ كل هذا على مكانة الصلاة عند الله مِن بين فرائض الإسلام، وعليه فمَن صام، وترك الصلاة فقد ترك الأهمَّ في تقويم الإسلام، فإن لم يكن مُؤمنًا بما ترك كان خارجًا عن الإسلام ولا ينفعه صومٌ ولا زكاة. وإن كان مُؤمنًا بما ترك كان فاسقًا عن أمر ربه، وكان صومه مع ترك الصلاة قرينةً واضحة على أنه لم يصمْ امتثالًا لأمر الله، وإلا لَمَا ترك الواجب الأول، مُكتفيًا بما دوَّنه في الفرضيَّة والتكليف، وكان باقتصاره على ما فعل كالمُستظهر على الله فيما فرض على عباده؛ وإذنْ لا يكون صومُه إلا مُجاراةً لعادةٍ تَقَلَّدَهَا مِن بِيئته أوْ وَرِثَهَا عن آبائه، أو زعمًا منه أن الصوم كما يَظنُّ بعض الناس يُكفر الذنوب كلها، وكلَا الأمرينِ يُنافي الإيمان وما يقتضيه، وكان إيمانُه محلَّ شكٍّ وتَرَدُّدٍ. كيف وقد وردت أحاديثُ كثيرة تدلُّ بظاهرها على كُفْرِ تارك الصلاة؟ وكان في اقتران الصلاة بالإيمان في كثير من الآيات مُقَوِّيًا لرأي الجُمهور في كُفْرِ تارك الصلاة واستحقاقه القتْل، وإنْ كان بعضهم يرى أن القتل ليس كُفْرًا وإنما هو حَدٌّ، شأنُ الزاني والقاتل.
هذانِ رأيان في حكم تارك الصلاة. والرأي الثالث أنه لا يَخرج عن الإسلام ما دام مُؤمنًا بفَرْضِيَّتِهَا ولا يُحد بالقتْل، وإنما يُعَزَّرُ بالضرب والحبْس حتى يُصلِّي، ولا نعرف في تارك الصوم سوَى التعزير والتشهير به في الأسواق والمُجتمعات.
فهل لهؤلاء الذين يصومون مع تركهم الصلاة أن يفهموا وضع الصلاة في الإسلام، وأن الواجبات الدينية عند الله وحده لا تتجزَّأ يشدُّ بعضها أَزْرَ بعض، ولا تحوز واحدة منها درجة القبول عند الله إلا مُقترنةً في سِجِلِّ صاحبها بسائر أخواتها؟ هل لهم أن يفهموا أن العبادة بحُكم العادة والشهْوة مَرْدُودة على صاحبها، وأنَّ صاحبها لا يُؤدي بها حقَّ الله، ولا يَمتثل بها أمره، وإنما يُؤدي بها حق بيئته أو أمر شَهْوَتِهِ.