من علامات قَبول الطاعة استقامة السلوك، ولا شك أن التبرج مناف لحكمة الصوم، فالله تبارك وتعالى ذكر أن الحكمة من الصوم وفرضه هي التقوى ، والمتبرجة وإن كان صومها صحيحا ألا أنها لم تفعل ما يجعله مقبولا ، فالله لا يقبل العمل من كل من يعمله بل كما قال تعالى :{ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } المائدة: 27، كما أنها معرضة لعذاب الله على خلعها للحجاب الذي أمرها الله به، أما عن صومها فنسأل الله ألا يكون حظها من الصيام الجوع والعطش.
يقول فضيلة الشيخ عطية صقر ـ رحمه الله ـ في كتابه أحسن الكلام في الفتوى والأحكام:
العبادة إذا صحَّت يُرجَى أن يَقبَلها الله إذا كانت خالصة لوجهه، ولا ينبغي أن نَجزم بالقبول، فالأمر مفوض إلى الله سبحانه وهو القائل: (إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) والراجح أن المراد بالمتقين هنا المؤمنون لا المشركون؛ لأنها وردت في قصة هابيل وقابيل، أما المتقون من المؤمنين فهم الذين لا يَعصُون الله، وإن عَصَوه بادروا بالتوبة، وهؤلاء أعمالهم الصالحة مقبولة كما أخبر الله، وذلك من باب التفضل منه، وليس من باب الوجوب عليه وهم في الدرجة العليا من القبول.
أما المؤمنون الذين يَعصون الله فإن أعمالهم الصالحة لا يَحرِمهم الله من قَبولها، كما قال سبحانه: (إنَّ الذينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ إنّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا) (سورة الكهف: 30) إلى جانب أن يُعاقِبهم الله على سيئاتهم كما قال سبحانه: ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه .ومَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه) (سورة الزلزلة : 7 ، 8).
فالتى تُصلِّي وتصوم صومًا صحيحًا خالصًا لوجه الله يُرجَى قَبول عملها، ومع ذلك تعاقب على خلْع الحجاب؛ لأنه معصية، وإذا كان الله سبحانه وتعالى يقول: (إنَّ الحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) (سورة هود: 114) فهو أعلم بحجم المعصية وهل يُمكن لثواب الطاعة أن يَذهب عقابها، ذلك أمر موكول إليه سبحانه.
والمؤمن لا ينبغي أن يَركَن إلى العفو ويُؤمِّل المغفرة، ويَنزِع من قلْبه الخشية والخوف من الله حتى لا يَتمادى في العصيان. بل الواجب عليه إذا فَعَل معصية أن يُبادِر بالاستغفار والتوبة حتى يَغفِر الله له. قال تعالى: (وإنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تَابَ وآمَنَ وَعَمِلَ صالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) (سورة طه : 82) وفي الحديث الذي رَوَاه الترمذي:”اتَّقِ اللهَ حيثما كنتَ، وأتْبعِ السيئةَ الحسنةَ تَمْحُها، وخالِقِ الناسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ.
وأُنَبِّه إلى أنَّ المتمردة على الحجاب غير خائفة من الله، لا تُبالي بأمره ولا تَخشى عقابه، فهل إذا صلَّت أو صامت تكون خائفة من عقاب الله إذا لم تُصَلِّ ولم تَصُمْ؟ لو كانت صلاتها أو صيامها مع هذا الخوف اللازم للقَبول لكان لهذا الخوف أثره على سلوكها فالْتَزَمَتْ الحجاب، فتمردها على الحجاب أمَارة على أنها كانت تُصلِّي وتَصُوم بدون خوف من الله، وبالتالي لا يَقبَل الله منها صلاتها ولا صيامها .
قال تعالى: (وَأَقَمِ الصَّلاةَ إنَّ الصلاةَ تَنْهَىَ عَنِ الفَحْشاءِ والمُنْكَرِ) (سورة العنكبوت: 45) وفي المأثور: مَن لم تَنْهَهُ صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يَزدَدْ من الله إلا بُعدًا.
ورُوِيَ من حديث الحسن مُرسَلاً بإسناد صحيح. ورواه الطبراني وأسنده ابن مردويه في تفسيره بإسناد ليِّن، والطبراني من قول ابن مسعود:”من لم تأمُره صلاته بالمعروف وتَنْهَهُ عن المنكر لم يَزْدَدْ من الله إلا بعدًا” وإسناده صحيح “العراقي على الإحياء ج 1 ص 134” وفي الحديث الصحيح أن امرأة ذُكِرَتْ عند رسول الله ـ ﷺ ـ بكثرة صيامها وصلاتها غير أنها تُؤذِي جيرانها بلسانها فأَخبَر أنها لا خير فيها وأنها في النار.
فالخلاصة أن علامة قَبول الطاعة استقامة السلوك، مع العلم بأن قَبول العبادة شيء وصحتها شيء آخر، فقد تكون الصلاة صحيحة بأركانها وشروطها، ولكنها غير مقبولة عند الله ولا يُحكَم عليها بأنها باطلة فليس هناك ربْط بين الصحة والقبول. وقد جاء في الحديث “إن الرجل لَيَنْصَرِفَ وما كُتِبَ له إلا عُشْر صلاته أو تُسعها أو ثُمنها أو سُبعها أو سُدسها أو رُبعها أو ثُلثها أو نِصفها” رواه أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه.
ومع كل ما تَقدَّم لا نَنْسَى قول الله تعالى: (إنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ ويَغْفِرُ ما دُونَ ذلكَ لِمَنْ يَشَاءُ) (سورة النساء : 48) لكنْ لا ينبغي أن نَرْتَكن على المشيئة، فربما لا يُشاء الله المغفرة للإنسان، كما لا يَنبغي الارتكان على قوله تعالى: (وآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحًا وآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللهُ أنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (سورة التوبة : 102) بل ينبغي أن نُبادِر بالتوبة من المعصية رجاء أن يَختِم الله لنا بالخير.