الصداق أو المهر حق للمرأة المسلمة على زوجها، وهو يجب بالعقد، ويجوز أن يكون العقد كله معجلا، أو كله مؤجلا، أو يكون بعضه معجلا، وبعضه مؤجلا، غير أن كل هذا يكون من حق الزوجة وحدها، ولا يحل لوليها أو لأحد أن يأخذ منه شيئا إلا بطيب خاطر.
قال تعالى :(…فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا). النساء 24
وقال أيضًا : (وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا). النساء4
يقول الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية:
أن الرجل يجب عليه دفع الصداق إلى المرأة حتما وأن يكون طيب النفس بذلك كما يمنح المنيحة ويعطي النحلة طيبا كذلك يجب أن يعطي المرأة صداقها طيبا بذلك، فإن طابت هي له به بعد تسميته أو عن شيء منه فليأكله حلالا طيبا ولهذا قال ” فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا”.ا.هـ
وقال أبو صالح من علماء السلف: كان الرجل إذ زوج بنته أخذ صداقها دونها فنهاهم الله عن ذلك ونزل:” وآتوا النساء صدقاتهن نحلة” .
وقال الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية :
هذه الآية تدل على وجوب الصداق للمرأة ، وهو مجمع عليه ولا خلاف فيه إلا ما روي عن بعض أهل العلم من أهل العراق أن السيد إذا زوج عبده من أمته أنه لا يجب فيه صداق؛ وليس بشيء ؛ لقوله تعالى ” وآتوا النساء صدقاتهن نحلة “ا.هـ
وفي الحديث المتفق عليه عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله ـ ﷺ ـ رأى على عبد الرحمن بن عوف ردع زعفران ، فقال النبي ﷺ : مهيم ؟ فقال : يا رسول الله ، تزوجت امرأة . فقال : ما أصدقتها ؟ . قال : وزن نواة من ذهب . فقال : بارك الله لك ، أولم ولو بشاة.
وقد رأى كثير من الفقهاء أن المهر يسلم للزوجة ولا يسلم لوليها، وإن أنكرت الزوجة المهر، وجب على زوجها، وقيض أبو حنيفة أن تسليم المهر يكون للثيب دون البكر،على أن تسليم المهر أمام شهود يوجب المهر على أبيها بعد دفع الزوج له .
يقول الإمام ابن قدامة الحنبلي في كتابه المغني :
ولا يبرأ الزوج من الصداق إلا بتسليمه إلى من يتسلم مالها، فإن كانت رشيدة، لم يبرأ إلا بالتسليم إليها، أو إلى وكيلها، ولا يبرأ بالتسليم إلى أبيها ولا إلى غيره؛ بكرا كانت أو ثيبا . قال أحمد : إذا أخذ مهر ابنته، وأنكرت، فذاك لها، ترجع على زوجها بالمهر، ويرجع الزوج على أبيها . فقيل له : أليس قال النبي ﷺ { : أنت ومالك لأبيك } ؟ قال : نعم ، ولكن هذا لم يأخذ منها ، إنما أخذ من زوجها . وهذا مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة : له قبض صداق البكر دون الثيب؛ لأن ذلك العادة، ولأن البكر تستحي، فقام أبوها مقامها ، كما قام مقامها في تزويجها . ولنا ، أنها رشيدة ، فلم يكن لغيرها قبض صداقها، كالثيب ، أو عوض ملكته وهي رشيدة ، فلم يكن لغيرها قبضه بغير إذنها ، كثمن مبيعها ، وأجر دارها . وإن كانت غير رشيدة ، سلمه إلى وليها في مالها ، من أبيها ، أو وصيه ، أو الحاكم ؛ لأنه من جملة أموالها ، فهو كثمن مبيعها ، وأجر دارها .ا.هـ
ويجوز للمرأة أن تتنازل عن بعض مهرها أو كله لوليها أو لزوجها ، لقوله تعالى :”فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا “. فقيل :إن الخطاب للأزواج ،وقيل :إن الخطاب للأولياء ؛لأنهم هم الذين كانوا يأكلون صداق الزوجة ، ولا مانع من الجمع بين الاثنين .
قال الإمام القرطبي :
واتفق العلماء على أن المرأة المالكة لأمر نفسها إذا وهبت صداقها لزوجها نفذ ذلك عليها ، ولا رجوع لها فيه . إلا أن شريحا رأى الرجوع لها فيه ، واحتج بقوله : ” فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا ” وإذا كانت طالبة له لم تطب به نفسا .
قال ابن العربي : وهذا باطل ؛ لأنها قد طابت وقد أكل فلا كلام لها ؛ إذ ليس المراد صورة الأكل ، وإنما هو كناية عن الإحلال والاستحلال ، وهذا بين .ا.هـ
وقال ابن قدامة:
وإذا عفت المرأة عن صداقها الذي لها على زوجها أو عن بعضه أو وهبته له بعد قبضه ، وهي جائزة الأمر في مالها جاز ذلك وصح . ولا نعلم فيه خلافا ؛ لقول الله تعالى : { إلا أن يعفون } يعني الزوجات .
وقال تعالى: ( فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا } قال أحمد ، في رواية المروذي : ليس شيء.