بيَّن الله تعالى في سورة النساء كفارة القتل خطأ فقال : {ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله} ثم قال : {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين}
فيلزم في من ارتكب قتلا خطاء أن يدفع دية لأولياء دم المقتول ، إلا أن يعفو ويتنازلوا، وعليه -زيادة على الدية- أن يكفر عن القتل الخطأ بعتق رقبة مؤمنة عن كل نفس تسبب في قتلها خطأ، ومادام في هذا الزمن لا رقيق حتى يحرروا فعليه أن يقوم بصيام شهرين متتابعين عن كل نفس ، وهذا هو الأصل فإذا عجز عن الصيام فعلى رأي الشافعية يُطعِم سِتِّين مسكينًا، قياسًا على كفارة الظِّهَار وكفارة الفطر في رمضان.
وعلى هذا فليبدأ في الصيام فإذا تسبب في قتل أكثر من واحد خطأ فليبدأ بصيام كفارة الواحد تلو الآخر فإذا صام عن الأكثرية، وعجز عن صيام الكفارة للباقين فيمكنه الأخذ برأي الشافعية، ويكفر عنهم بإطعام ستين مسكينا .
وعند غير الشافعية من الفقهاء لا يجوز الانتقال إلى الإطعام ، ولكن رجح الشيخ عطية صقر ـ رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا ـ رأي الشافعية .
هل تسقط الكفارة بالعجز؟
الواجبات لا تسقط إلا بالعجز عنها، فمن قتل خطأ جماعة كثيرة من الناس لزمته الكفارة عن كل واحد من المتوفين، والكفارة هي عتق رقبة، فمن لم يجدها فصيام شهرين متتابعين -وهذا ثابت بالنص- فإن عجز فإطعام ستين مسكيناً عن كل نفس -وهذا بالقياس- وهو أحد قولي الشافعي ورواية عن أحمد.
ثم القاعدة أن الميسور لا يسقط بالمعسور، فإن قدر على الصيام لزمه، فإن عجز عن الصيام لطول مدة الصيام كمن قتل خمسين نفساً في حادث، فيلزمه صيام ما يقرب من تسع سنوات، فإن أخرجنا صيام رمضان من كل سنة وأيام العيد وأيام المرض فقد تصل المدة إلى عشر سنوات أو أكثر، وهو لا يفطر إلا أيام الأعياد، وفي هذا مشقة كبيرة، والمشقة تجلب التيسير.
وعلى هذا، فإن قدر على الصيام عن بعض الأنفس لزمه، ويطعم عن الباقي إن قدر. والله تعالى يقول (فاتقوا الله ما استطعتم) وهذا مراعاة لمن يقول بالإطعام في كفارة القتل عند العجز عن غيره.
مقدار الدية ومن يدفعها؟
يقول أ .د مصطفى ديب البُغآ :
الأصل في الدية في الشرع الإسلامي أن تدفعها عائلة القاتل خطأ وهم عصبته من الرجال أي أقرباؤه من جهة أبيه، والآن يقصر الناس في القيام بهذا الواجب وعندها لا بد من التصالح مع أولياء المقتول؛ حتى يسقطوا حقهم، إلا إذا كان في ورثته قاصرون فلا بد من إعطائهم حقهم إلا إذا عفوا بعد بلوغهم سن الرشد، وتبقى قيمة الدية.
أما قيمة الدية فهي شرعا قيمة مائة من الإبل، أو قيمة أربعة كيلوجرامات من الذهب الصافي.. ولذلك الطريق السليم في هذه الأيام هو المصالحة.أهـ
يقول الشيخ عطية صقر ـ رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا:
قال تعالى: (وما كانَ لِمُؤمِنٍ أنْ يَقْتُلَ مُؤمِنًا إلاّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أهْلِهِ إلا أنْ يَصَّدَّقُوا، فإنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وهُوَ مُؤمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤمِنَةٍ وإنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ وتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (سورة النساء : 92).
تفيد الآية أن كفارة القتل هي تحرير رقبة مؤمنة، .
ما هو حكم من عجز عن الصيام في الكفارة؟
اختلف الفقهاء في ذلك فقال الحنفية والمالكية والشافعية في الأظهر من مذهبهم، والحنابلة في رواية: يثبت الصيام في ذمته ولا يجب الإطعام كما يجب في كفارة الظِّهَارِ، وحجتهم في ذلك أن الله لم يذكر الإطعام، ولو كان واجبًا لَذَكَرَه حيث لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، كما قالوا: إنه من المقادير، والمقادِير لا تُعرَف إلا سَماعًا.
وفي رواية عن أحمد والظاهر من مذهب الشافعية أنه يُطعِم سِتِّين مسكينًا، قياسًا على كفارة الظِّهَار وكفارة الفطر في رمضان.
وأرى أنه من المصلحة الأخذ بالرأي الثاني، ففيه تحقيق المقصود من شرعية الكفارة، وهو شعور الإنسان بخطئه فَيَنْزَجِرُ عن معاودة الإثم، وذلك بالقياس على جريمة أخرى انتقل فيها العاجز عن الصيام إلى الإطعام.