كان من عادة السلف رضوان الله عليهم إذا دخل عليهم شهر رجب أن يَبتهِلوا إلى الله بالدعاء قائلين: “اللهم بارك في رجب وشعبان وبَلِّغْنا رمضان”، ونحن نردد دعاءهم فنقول: “اللهم بَلِّغْنا رمضان في خير وإنعام وإحسان يا رب العالمين”؛ لذلك ينبغي أن يستقبل المسلم شهر رمضان بغاية الشوق إليه والانتظار له؛ لأنه شهر مبارك اختاره الله تعالى منحةً منه للأمة الإسلامية، لتحتفل أصالة عن نفسها ونيابة عن البشرية جميعًا بعيد الهداية الإلهية؛ لأنه ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه واثلة بن الأسقع عن النبي -ﷺ- أن الكتب السماوية جميعًا نزلت في شهر رمضان؛ لذلك كلَّفنا الله تعالى بصيام هذا الشهر وقيامه، وندبنا إلى كثرة الخيرات والأعمال الصالحة فيه، حتى نثبّت معاني الخير والدين في أنفسنا، فالمسلم يصوم نهاره ويقوم ليله ويطعم فيه إخوانه، ويتلو فيه كتاب ربه.
ولا توجد أمة في الأرض عندها مثل هذا التشريع الجليل أعني أن تقوم بالكتاب الذي يتضمن شريعتها في صلاتها، فتجتمع الأمة كلها رجالاً ونساء شيبًا وشبانًا صغارًا وكبارًا في مساجد الإسلام حتى تستمع إلى القرآن الكريم وتقرأه وتحفظه وتتلوه في هذا الشهر المبارك..
“كيف نستقبل شهر رمضان”
نستقبله بتصحيح النية؛ نصحح نيتنا ونتشوق للعبادة فيه، ونستشعر أن الله سبحانه وتعالى أراد لنا الاحتفال برمضان بشرع وشريعة الإسلام، وليس بشرع وشريعة الجاهلية الذي يشيع بيننا الآن، فكثير من الناس يقطع ليله في سماع الأغاني والتمثيليات وإلى غير ذلك، وإنما ليل رمضان للقيام وقراءة القرآن، والنهار للصيام والعمل، فلا يصح أن يكون رمضان موسمًا للتعطّر والتبطل، وإنما هو نشاط وحماس في سبيل الله عز وجل.. تتدرب فيه الأمة وتتربى؛ ولذلك وقعت معارك الإسلام الكبرى طوال التاريخ في شهر رمضان
ونحن نذكر أن معركة بدر الكبرى كانت في شهر رمضان، ونذكر أن معركتنا مع التتار كانت في شهر رمضان التي انتصر فيها المسلمون انتصارًا لا يصدقه أحد ولا يظنه؛ لهذا ينبغي أن نصحح نياتنا وأعمالنا، وأن نجعل هذا الشهر موسمًا للخير والبركات جميعًا، وقد كان رسول الله ﷺ يدارس جبريل القرآن في رمضان، فإذا تركه جبريل خرج رسول الله ﷺ وهو أجود بالخير من الريح المُرْسَلة
وينبغي أن يكون رمضان موسمًا للتربية الأخلاقية؛ فالذين يدخِّنُون، أو يثورون على الناس بحجة أن الناس هم سبب ثورتهم، مخالفون للإسلام نصًّا وروحًا.. ينبغي أن يكون المسلم في رمضان هادئًا مطمئنًا مسالمًا، فإن سابَّه أحد أو شاتمه، فليقل: إني صائم.. إني صائم، ولا يتبادل معه السباب؛ لأن النبي ﷺ يقول: “إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق
والمسلم يتعلم في هذا الشهر من ألوان التربية الخلقية والعملية الكثير والكثير.