تكلم الفقهاء قديما عن المكاري وهو صاحب الدواب التي يحمل الناس عليها بأجرة ، فقد كان يعيش في الطرق بدابته يتلمس من ينقله من الناس والأمتعة على دابته ، ولا يكاد يرجع إلى بيته إلا بعد مدد طويلة ، فأجاز بعض الفقهاء له القصر ، ومنعه آخرون ، والرأي الأول هو الأرجح لوجود السفر وما يستلزمه من التعب والخوف والمشقة في حقه ، وعليه فيجوز لمن لديه شاحنة ويسافر بين البلدان لنقل البضائع له القصر مدة سفره بشاحنته ، ولا يضره استئجاره بيتا للقيلولة ، لأنه يظل مسافرا .
قال ابن قدامة من فقهاء الحنابلة :
الملاح الذي يسير في سفينة ، وليس له بيت سوى سفينته ، فيها أهله ، وجميع حاجاته ، بما في ذلك مكان لتهيئة الطعام ، لا يباح له الترخص بأحكام المسافر من القصر والجمع والفطر .
قال الأثرم ؛ سمعت أبا عبد الله – أحمد بن حنبل – يسأل عن الملاح أيقصر ، ويفطر في السفينة ؟ قال ؛ أما إذا كانت السفينة بيته فإنه يتم ويصوم .
قيل له ؛ وكيف تكون بيته ؟ قال ؛ لا يكون له بيت غيرها ، معه فيها أهله وهو فيها مقيم ، وهذا قول عطاء .
وقال الشافعي يقصر ويفطر ؛ لعموم النصوص التي تبيح الرخصة للمسافر.
ولقول النبي ﷺ ؛ { إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة } . رواه أبو داود .
ثم رجح ابن قدامة المذهب الأول لأن هذا الملاح ليس مسافرا ، إذ أن أهله وكل حاجاته معه.
وأما الجمال – الذي عنده جمل يحمل عليه الناس، ويعيش في الطريق ليتلمس الركاب ، ولا يذهب إلى بيته إلا بعد مدد طويلة – ومثله المكاري فلهم الترخص وإن سافروا بأهلهم .
قال ؛ أبو داود ؛ سمعت أحمد يقول في المكاري الذي يعيش طوال حياته في السفر ؛ لا بد من أن يعود إلى أهله فيقيم عندهم يوما ؟
قيل ؛ نعم ، يعود إلى أهله فيقيم عندهم اليوم واليومين ليستعد للسفر ثانية .
فقال ؛ هذا يقصر .
وذكر القاضي ، وأبو الخطاب ، أنه ليس له القصر كالملاح . وهذا غير صحيح ؛ لأنه مسافر مشفوق عليه – أي ليس آمنا في سفره كما يأمن الملاح في سفينته ، فكان له القصر كغيره ، ولا يصح قياسه على الملاح ؛ فإن الملاح في منزله سفرا وحضرا ، ومعه مصالحه وأهله ، وهذا لا يوجد في غيره . وإن سافر هذا بأهله كان أشق عليه وأبلغ في استحقاق الترخص .
وقد نص الإمام أحمد بن حنبل في الفرق بينهما ، والنصوص التي تثبت الترخص للمسافر عامة تشمله وغيره ، وليس في النصوص ما يقطع عنه حكم السفر ، فوجب دخوله في هذه النصوص العامة . انتهى مع التصرف .
وجاء في فتاوى ابن تيمية :
يفطر من عادته السفر إذا كان له بلد يأوي إليه، كالتاجر الجلاب الذي يجلب الطعام وغيره من السلع وكالمكاري الذي يكري دوابه من الجلاب وغيرهم . وكالبريد الذي يسافر في مصالح المسلمين ونحوهم . وكذلك الملاح الذي له مكان في البر يسكنه، فأما من كان معه في السفينة امرأته وجميع مصالحه ولا يزال مسافرا فهذا لا يقصر ولا يفطر.
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية :
يقول الحنفية ؛ لا بد أن يكون المكان الذي يقيم فيه المسافر صالحا للإقامة ، والمكان الصالح للإقامة ؛ هو موضع اللبث والقرار في العادة ، نحو الأمصار والقرى ، وأما المفازة – أي الصحراء – والجزيرة والسفينة فليست موضع الإقامة ، حتى لو نوى الإقامة في هذه المواضع خمسة عشر يوما لا يصير مقيما ، كذا روي عن أبي حنيفة .