جاء في “مشارق الأنوار” للعدوى ص 30 أن النبي ـ ﷺ ـ قال- كما رواه النسائي- في سعد بن معاذ “لقد تحرَّك له العرْش، وفُتِحَت له أبواب السماء، وشهِده سبعون ألفًا من الملائكة، ولقد ضُمَّ ثم فُرِّجَ عنه.
وفي رواية عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ أنه قال” للقبر ضغطة لو نجا أحد منها لنجا منها سعد بن معاذ“، وقوله ” لو نجا منها أحد” لا يَتَناقض مع قوله “ما عُفي لأحد عن ضَغطة القبر إلا فاطمة بنت أسد” وهي زوجة عمه أبي طالب: قيل يا رسول الله ولا ابنك القاسم؟ قال ” ولا إبراهيم الذي هو أصغرهما”؛ لأن نجاة فاطمة بنت أسد بسبب أن الرسول ـ ﷺ ـ نزل في قبرها ونزع قميصه وتمعَّك في لحْدها، ولمَّا سُئل عن ذلك قال ” أردت ألا تمَسَّها النار أبدًا إن شاء الله وأن يُوسَّع عليها قبرُها”.
قال الحكيم الترمذي: سبب هذه الضمَّة أنه ما من أحد إلا وقد ألمَّ بخطيئة ما، وإن كان صالحًا، فجعلت هذه الضغطة جزاء له، ثم تُدْركه الرَّحمة، ولهذا كانت ضغطة سعد للتقصير في البَوْل، فأما الأنبياء فلا ضمَّ ولا سؤال لعِصمتهم.
هذا ما قاله الزرقاني في شرح المواهب، وناقَشَه العدَوى بأن ضغطة القبر لا تكون بسبب الخطيئة، فما هي خطيئة إبراهيم بن الرسول وقد مات صغيرًا ولم يُكَلَّف؟ ولا يُظن بسعد أنه قصَّر في البول تقصيرًا يؤدِّي إلى فساد في عبادته أو مكروه، ويؤيِّد هذا أنَّ ضمَّها للمؤمن الكامل ضمة شفقة ورأفة، فالذين لا تشملهم ضغطة القبر مُستثنَوْن لخصوصية فيهم.
قال الشعراني في مختصر التذكرة: لا ينجو من ضمة القبر أحدٌ إلا أربعة، فاطمة بنت محمد، وفاطمة بنت أسد، والأنبياء، ومن قرأ (قل هو الله أحد) في مرضه ولو مرة واحدة.
ورُوي مرفوعًا ” أن العبد إذا وُضِع في قبره فقال أهله: واسيداه واأميراه واشريفاه، قال له المَلَك. أَكُنت سيدًا؟ أكنت أميرًا ؟ أكنت شريفًا؟ فيقول الميت: ليتهم سكتوا عنى، قال: فيضغطه القبر ضغطة تختلف فيها أضلاعه..
فالخلاصة: أن ضغطة القبر عامة، ولا ينجو منها إلا مَن لهم خصوصيات، وهي لا تستدعي ذنبًا وقع، وهي تكون شفقة ورأفة على المؤْمن الكامل، والذي يَجعلها خفيفة هو العمل الصالح بوجه عام، ومنه قراءة (قل هو الله أحد) كما تقدَّم، وهذه كلها من الغيب الذي يحتاج في اعتقاده إلى دليل قوي ” الزرقاني ج2 ص142″.