مبعث هذا الشبهة عند القوم هو قول الآية : ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل فتذكر إحداهما الأخرى ). ومثلها قول الرسول ﷺ ،وقد مر على النساء يوم عيد فقال : يا معشر النساء ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب للرجل العاقل من إحداكن . قلن وما نقصان عقلنا وديننا يا رسول الله ؟ قال : أليس شهادة المرأة نصف شهادة الرجل ؟ قلن : بلى . قال : فذلك من نقصان عقلها . أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ؟ قلن : بلى . قال : فذلك من نقصان دينها . رواه الشيخان . ولنا وقفات أمام الآية والحديث . فأما جعل شهادتها نصف شهادة الرجل فقد عللتها الآية ( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ) فاستشهاد امرأتين هو لضمان التأكد من صحة المشهود عليه .
فإذا قيل ولم لم يشترط ذلك فى الرجل ؟ قلنا : إن الأمر هنا أمر الدقة فى تذكر الأحداث وضبط روايتها وهو فى الرجال أكثر وأوفر لما بين الجنسين من فروق فى الخلقة والتكوين .
إختلاف طبيعة الرجل عن المرأة
وننقل هنا ما جاء فى دائرة المعارف الكبيرة قول الدكتور روفارينى : إن المجموع العضلي عند المرأة أقل منه كمالاً عن الرجل ، وأضعف بمقدار الثلث ، فالقلب عند المرأة أصغر وأخف بمقدار ستين جرامًا فى المتوسط ، والرجل أكثر ذكاءً وإدراكًا ، أما المرأة فأكثر انفعالاً .
وفى دائرة المعارف نفسها يقرر الدكتوران : نيكوليس وبيليه : أن الحواس الخمس عند المرأة أضعف منها الرجل ، وأن مخ الرجل يزيد عن مخ المرأة بمقدار مائة جرام فى المتوسط فنسبة مخ الرجل إلى جسمه 1/40 واحد إلى أربعين ، ونسبة مخ المرأة إلى جسمها 1/44 واحد إلى أربعة وأربعين ، كما يوجد اختلاف فى المخيخ أيضًا ، وفى المادة السنجابية فهى عند النساء أقل بدرجة ملحوظة ومحسوسة جدا .
لماذا تعتبر شهادة الرجل بشهادة إمرأتين
هذا مع ضرورة الأخذ فى الاعتبار أن استشهاد أخرى مع المرأة ليس انتقاصًا من مكانتها ، ولكنه لضمان الدقة في الشهادة بدليل أن الأمر نفسه حدث مع الرجل حيث اشترط القرآن أربعة شهود من الرجال لإقامة حد الزنا وحد القذف بنص القرآن ( واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم ) . وقوله تعالى: ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ). وقوله تعالى : ( لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون ) .
فالمراد من هذا هو الحرص على المزيد من التثبت من الواقعة المشهود عليها وليس طعنًا في الرجل أو في المرأة .
على أن هذا الوصف بنقصان العقل وصف معنوى لا يعدو أكثر من أنه تعبير عن نقص أو ضعف الذاكرة ليس بالضرورة أن تتساوى فيه جميع النساء بل هو وصف الغالب ، والحكم الشرعى ينبني على الغالب .
وهو كذلك لا يراد به إنقاص المكانة بدليل أن الرجل أيضًا تعرض لمثل هذا القيد .
ولعل المناسبة التى روى فيها الحديث تحتاج إلى بعض إيضاح : فالمناسبة كانت عند مروره ﷺ عند خروجه إلى الصلاة في يوم عيد .. ولا يتصور منصف أن الرسول بما عرف عنه من رقة الشمائل والتلطف الرقيق في الخطاب يمكن أن يوجه إلى النساء في هذا اليوم ما يكسر خواطرهن أو يشعرهن بالدونية والإهانة .
وإذن فهناك سبب آخر يمكن أن يكون مدعاة لهذا الخطاب النبوى للنساء : ” ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل العاقل من إحداكن “ . فالنساء المخاطبات هن نساء الأنصار اللاتي كن مشتهرات بتملكهن وسيطرتهن على بعولتهن ،وهن اللاتي قال فيهن عمر بن الخطاب - رضى الله عنه – فلما قدمنا على الأنصار إذا هم قوم تغلبهم نساؤهم ،فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار .
وهو ما يوضح ما نشير إليه من قول الرسول “ ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل العاقل من إحداكن “ .
فالصيغة النبوية هنا كأنما تحمل معنى التعجب من تغلب النساء وفيهن ضعف على الرجال ذوي الحزم والقوة .. كما تحمل معنى التعجب من حكمة الخالق سبحانه الذي أوجد القوة حيث يظن الضعف ، وأوجد الضعف حيث تظن القوة .
ثم : ألا نلمس في الخطاب النبوى بهذه الصيغة “ ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل العاقل من إحداكن “ ألا نلمس فيها شيئًا من الملاطفة التي تكون كالتمهيد لموعظة كبيرة وكأنه ﷺ يقول : “ إذا كان الله قد منحكن هذه القوة رغم ضعفكن فاتقين الله ولا تستعملنها إلا في الخير “ ، على أن ثمة مجالات كثيرة قبل الفقهاء فيها شهادة النساء منفردات كالحيض والولادة وعيوب النساء واستهلال الوليد وغيرها مما لا يطلع عليه الرجال ومما تكون معرفته لا تحتاج إلى إعمال العقل وتكفي الحواس الظاهرة في معرفة اليقين منه .
دار الإفتاء بالأزهر