الواجب على المسلم أن يحفظ سر صديقه، ولا يقوم بتنفيذ فكرته الذي أسره بها دون استئذانه، وذلك لأنَّ صديقه عندما توجه إليه بعرض فكرته كان يتوسم فيه أنه سيحفظ سره ويصونه، ويشترك معه فيه أو على أقل تقدير أن يحفظ عليه سره حتى يستفيد به هو، وهذا واجب أخلاقي على المسلم أن يتحلى به، فإن المجالس إنما تقوم على الأمانة والاستئمان، فمن تحدث لأخيه حديثا وبان أن هذا الحديث خاص فلا يجوز لمن سمع الحديث أن ينشره فضلا عن أخذ ما فكَّر به صديقه لكي ينفذه بعيدا عنه مفوتا الفرصة على صاحبه.
فعن محمد بن حزم رفعه مرسلاً: ((إنما يتجالس المتجالسون بأمانة الله، فلا يحل لأحد أن يُفشي عن صاحبه ما يكره)). وللعسكري عن ابن عباس مرفوعًا: ((إنما تجالسون بالأمانة)) كما جاء عن النبي ﷺ أنه قال: ” المجالس بالأمانة.
ومعنى هذا كما يقول صاحب عون المعبود:
حسن المجالس وشرفها بأمانة حاضرها لما يحصل في المجالس ويقع في الأقوال والأفعال ، فكأن المعنى ليكن صاحب المجلس أمينا لما يسمعه أو يراه . أهـ
وحديث جابر رفعه” إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة ” أخرجه ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي ، وله شاهد من حديث أنس عند أبي يعلى .
قال صاحب عون المعبود في تفسير الأمانة الواردة في الحديث:
أي عند من حدثه أي حكمه حكم الأمانة فلا يجوز إضاعتها بإشاعتها . قال ابن رسلان : لأن التفاته إعلام لمن يحدثه أنه يخاف أن يسمع حديثه أحد وأنه قد خصه سره ، فكان الالتفات قائما مقام اكتم هذا عني أي خذه عني واكتمه وهو عندك أمانة انتهى
فهذا الحديث يعد أمانة عند المحدث ـ كما يقول صاحب تحفة الأحوذي ـ أودعه إياها فإن حدث بها غيره فقد خالف أمر الله حيث أدى الأمانة إلى غير أهلها فيكون من الظالمين فيجب عليه كتمها. أهـ
فكتمان سر الصاحب من حسن الصحبة، وحفظ الود ويزيد الأمر حرمة إذا ترتب على تضييع هذه الأمانة مصلحة لصاحب الحديث وهذا هو المتصور هنا، وعلى هذا فلا يجوز إفشاء سر الصاحب لآخر والانتفاع بفكرته إلا بعد استئذانه ورضائه، وإلا كان متلبسا بالإثم واقعا تحت النهي.