زواج الأصدقاء، أو ما يعرف بـ”زواج فريند”؛ وهي الدعوة التي أطلقها الشيخ عبد المجيد الزنداني من كبار علماء اليمن، اختلف الفقهاء المعاصرون فيها، بين مبيح لها ومحرِّم، حيث نظر المبيحون إلى توافر أركان الزواج من الإيجاب والقبول والمهر والولي والإشهاد، بينما ارتكز المحرمون على أن هيئة الزواج تتناقض مع مقصود الشارع من تشريع الزواج في الإسلام، من السكن والمودة، وقيام الأسرة على أسس من الاستقرار الاجتماعي، وهذا ما يغيب عن هذه الصورة من صور الزواج. وهذا النوع من الزواج يحتاج إلى رؤية متأنية، لاتقف عند الحكم الشرعي بل تنظر من قبل وبعد على البعد الاجتماعي ومدى تأثير هذا الزواج على المجتمع.
وهذا بيان آراء العلماء:
آراء المبيحين :
يقول الشيخ عبد المحسن العبيكان من علماء السعودية:
إذا كان الزواج مستكملا لشروط النكاح المعتبرة شرعا (الولي والشاهدان، والإيجاب والقبول) فإن النكاح صحيح بغض النظر عن كونه يتم تحت سقف منزل واحد يجمع الأسرة أو لا يتم .
وإن المرأة من حقها أن تتنازل عن حقها في المبيت والنفقة، وكذلك عن المأوى ما دامت تستطيع أن تلبث إلى جانب أبيها وأسرتها، ولكن يشترط لجواز ذلك ألا يكون مؤقتا ولا بنية الطلاق. انتهى
ويقول الدكتور سليمان عبد الله الماجد القاضي في محكمة الإحساء بالسعودية:
إن الفكرة التي دعا إليها الزنداني ستكون بمثابة (فتح) في علاج مشكلة كبيرة وهي: تجاوز تكاليف الزواج قدرة الشباب والفتيات، مع أنه يحقق مقصد من مقاصد النكاح وهو (العفة) .
و(صورة الزواج) جائزة شرعا، ولا تحمل أي محظور شرعي بالصفة التي دعا إليها العالم اليمني (الزنداني) .
ولكن يجب دراسة الفكرة من جوانب (اجتماعية) فربما يكون الزواج جائزا من الناحية الشرعية، ويكون مضرا على الصعيد الاجتماعي .
والفكرة ليست جديدة حيث دعا إليها من قبل شيخ في جامعة الأزهر، فطالب المجتمع ـ في حينه ـ بتيسير أمور الزواج، والإذن بزواج الفتى للفتاة، يلتقيان في الجامعة، وفي الأماكن العامة، ويستأجرون شقة حين يرغبان ذلك، ويكون مقرهما للإقامة الدائمة بيت والديهما .
ويمكن أن تطبق في كل مكان، فالفكرة جيدة على اعتبارها مسعى جديدا للحد كثيرا من المخالفات الشرعية في جانب العلاقات بين الجنسين. انتهى نقلا عن موقع “باب “.
ويقول الشيخ علي أبو الحسن رئيس لجنة الفتوى في الأزهر الشريف السابق:
إن الفكرة التي دعا إليها الزنداني هي الحل الأمثل لاختفاء الرقم الأخير من الملايين التسعة الذين بلغوا سن الثلاثين، ولم يتزوجوا بعد في مصر وحدها، فضلا عن قوائم شبيهة من الشباب والفتيات الذين فاتهم القطار في جميع الدول العربية والإسلامية بسبب البطالة وارتفاع تكاليف الزواج وفشل الشباب في توفير بيت الزوجية.
وما دام هناك عقد زواج صحيح وبشهود وولي، وتم الإعلان عنه، فما المانع في أن يأوي كل منهما إلى بيت أبيه، ويكون اللقاء في أي مكان، أليس في ذلك حل لمشكلة الصداقات وانحراف الشباب والفتيات، واختلاط الأنساب، والزواج العرفي، وغيره مما نسمع عنه هذه الأيام؟ وإذا تنازلت الزوجة عن حق السكن فهل يعني ذلك أن الزواج باطل؟ هذا غير صحيح والفتوى صحيحة وهي كزواج المسيار، وإذا ما تنازلت الزوجة عن حقوقها في السكن والملبس والمأكل والمشرب، وأقامت مع أهلها. ثم كان اللقاء بينهما بعد عقد صحيح مكتمل الشروط فلا حرمة في ذلك .
والسكن لا يعني الإقامة، لكنه بمعنى السكون والراحة والمودة، بمعنى أن الزوج يسكن إلى زوجته، ولا يفكر في غيرها، ولا يمكن الاعتداد بعدم توافر منزل الزوجية شرطا من شروط صحة الزواج، فالآية الكريمة وهي قوله تعالى: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” (الروم: 21) تخضع للاجتهاد، وهذا ليس نصا صريحا ينقض أو يبطل فتوى الزنداني، والأمر هنا مثله مثل زواج المسيار الذي أباحه الشيخ القرضاوي وغيره من علماء المسلمين. انتهى
آراء المانعين :
يقول الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر السابق:
شرع الله الزواج ليكون رباطا وثيقا بين الرجل والمرأة يقوم على المودة والرحمة، ويراد به الدوام والاستقرار، ومن مقاصد الزواج الأساسية السكن والمودة بين الزوجين، فإذا لم تتحقق هذه المقاصد فقد الزواج قيمته الأساسية، وأصبح مجرد شهوة يتساوى فيها الإنسان والحيوان.
فالشريعة الإسلامية إذن كاملة ومتكاملة في أوامرها وأحكامها، فلا يصح أن يؤخذ من هذه الأحكام الشرعية جانب ويترك الآخر، وليس فيها استثناء، حيث جاءت صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان، وقد نظمت الشريعة الإسلامية العلاقة الزوجية نظاما دقيقا فبينت ما يجب على كل منهما نحو الآخر، فالمرأة متى تزوجت أصبحت شريكة لزوجها في الحياة. وصار لزوجها عليها حقوق يجب أن تؤديها ولا تقصر فيها، وإلا كانت آثمة ومسئولة عنه شرعا أمام الله، وفي ذلك ما روي عن النبي ﷺ والذي نفسي بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها.. وللزوجة أيضا حقوق على زوجها نظمها الإسلام وأوضحتها الشريعة الإسلامية، وفي ذلك أيضا ما روي عن النبي ﷺ : “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”.
ولا يجوز للمسلم أو المسلمة التخلي عن فرائض ديننا الإسلامي الحنيف حتى ولو كانوا يقيمون ببلد غير إسلامي إلا في حالة الإكراه على ذلك، خاصة إذا كان التمسك بها سيعرض حياتهم للخطر أو إلى الضرر، قال تعالى “فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه”، أما ترك فرائض وتعاليم الدين الإسلامي بالاختيار فهذا لا يجوز شرعا؛ لأن أركان الإسلام يجب علي المسلم الالتزام بها أينما كان، وما يعرف بـ “فقه الأقليات” فهو يتوقف عند حدود المعاملات الإسلامية كالبنوك وأكل الذبائح التي لم يُذكر اسم الله عليها أو خلع الحجاب إذا كانت قوانين تلك الدول تمنع ذلك، وكل ذلك جائز بشرط أن يفعل المسلم ذلك وقلبه منكر لهذا الفعل!
أما مثل هذا الزواج الذي تدعو إليه الفتوى فهو لا يحقق المقاصد الشرعية من الزواج ويؤدي إلى الإفساد وخلط الأنساب. ومخالفة الشرع وارتكاب الفواحش وكثير من الجرائم والمفاسد الاجتماعية والأخلاقية. انتهى
وتقول الدكتورة سعاد صالح ـ أستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف :
لا يوجد في الإسلام ما يسمى بزواج موصوف بصفة خاصة، وإنما ورد لفظ الزواج في القرآن الكريم وفي السنة النبوية غير مقيد بأي صفة كقوله تعالي: “وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا” (النساء: 3)، وقوله تعالى: ” وَأَنْكِحُوا الأيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ” (النور: 32).
وقد اهتم الإسلام بعقد الزواج أكثر من اهتمامه بأي عقد آخر؛ لأنه أقرب إلى العبادة منه إلى العادة. وما يطالب به من زواج الأصدقاء مع وقف آثار الزواج من حيث الإنجاب والنفقة والسكنى، فهو يتعارض مع المقصد الأصلي للزواج وهو بقاء النسل والمحافظة على النفس وإعفافها، ويتعارض كذلك مع التشريع الإلهي لعقد الزواج والأهداف والمقاصد المرجوة منه، ويعرض هذا الميثاق الغليظ للامتهان والاستهتار .
وهذه الأنكحة المستحدثة بكافة صورها ، تشبه نكاح المتعة الذي نهى عنه الرسول نهيا قطعيا ، حيث المقصود الأصلي منها هو مجرد قضاء الوطر دون الاستمرار في السكنى والمودة والرحمة .
وعقد الزواج الأصل فيه الاستمرارية والاستقرار ، ولذلك ،فإن كل عقد مقيد بمدة معينة ، هو عقد باطل ، والعقد الصحيح مطلوب فيه تحقيق الآثار الشرعية المترتبة عليه في الحال، فلا يوجد في الإسلام زواج موقوف ،ولكن زواج نافذ وجائز مستمر .
وللحكم على زواج الأصدقاء، أو ما أطلق عليه الشيخ الزنداني “زواج فريند” يجب أن ينظر إلى ما يلي:
1- مقصد هذه الصورة من صور الزواج.
2- مطابقتها لأركان الزواج الشرعي في الإسلام، وهل الحكم على الشيء يرجع إلى المقصد منه، وتحقيق حِكَمه، أم أنه ينظر إليه من حيث استيفائه لأركان الزواج وشروطه؟
3- مدى جواز تقييد المباح في مثل هذه الحالة؟
4- الفرق بين إطلاق الدعوة إلى هذا الزواج بشكل فردي، وبين إطلاقها بشكل جماعي؟
ويمكن تفصيل وتوضيح هذه النقاط على النحو التالي:
1 – المقصد من زواج الأصدقاء:
الفكرة في نشأتها تنبني على تحويل العلاقات الاجتماعية بين الجنسين من علاقات محرمة شرعا، إلى شكل مشروع، وهو الزواج، فتحول الصداقة المجردة إلى زواج مشروع مستوفي الأركان.
وهذا يعني أن الفكرة مشروعة من حيث القصد، وإن لم تأخذ الشكل الكلي لنظام الأسرة في الإسلام.
والزواج يُعرف بأنه عقد بين الزوجين يحل به الوطء، ويطلق على العقد والجماع كما رجحه كثير من الفقهاء، لقوله تعالى: “فانكحوهن بإذن أهلهن”، وبالتالي فما دام العقد صحيحا، حل الجماع.
2 – استيفاء صورة الزواج للأركان:
أما من حيث استيفاء صورة الزواج للأركان والشروط، ففي هذا الزواج يتوافر جميع الأركان التي وضعها الفقهاء للحكم على صحة الزواج، وهي: العاقدان، والإيجاب والقبول، وموافقة الولي، والمهر، والإشهاد، فإن توافرت هذه الشروط في عقد الزواج، حُكم عليه بالصحة، وعلى هذا، فزواج الأصدقاء من حيث استيفاء الأركان صحيح شرعا.
والحكم على الشيء لا يرتبط بالحكمة منه، ولكن باستيفاء أركانه.
وما يقال من فساد هذا الشكل من الزواج استنادا لقوله تعالى: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” (الروم: 21)، فإن الرحمة والمودة من مقتضيات الزواج، فالزواج يحصل به هذه المودة والرحمة، وكون الزوج لا يَقَرُّ في بيت، لا ينفي وجود هذه العاطفة القلبية.
3 – تقييد المباح:
أما تقييد المباح، فهو باب من أبواب الاجتهاد، لا تصلح له فتوى فردية، بل لا بد فيه من فتوى جماعية، إن لم تصل إلى حد الاتفاق أو الإجماع.
ولا بد للنظر في هذا الشأن مما قد ينجم عن هذا الزواج -المباح شرعا من حيث الأركان والشروط- من آثار اجتماعية قد تضر بنظام الأسرة في الإسلام، وهل يؤدي هذا الزواج إلى انفراط العقد الأسري، وهل سيؤدي إلى تسرع الشباب إلى الزواج في فترة الدراسة، وقد يهربون من المسئولية الاجتماعية بعد الانتهاء من فترة الدراسة؛ وهو ما قد يؤدي إلى كثرة الطلاق، وإن كان يمكن اشتراط بعض الشروط التي قد تجعل الزوج لا يمكن له الإسراع في الطلاق، من كتابة مؤخر صداق كبير أو ما شابه هذا.
4 – مناقشة الدعوة بين الفردية والجماعية:
ولو أن المسألة نوقشت بشكل فردي، من كون شاب يحب فتاة، ووافق والدها على الزواج مع توافر جميع الشروط والأركان، لما كان يمكن الحكم عليها بالحرمة والمنع، ولكن أخذ صورة زواج الأصدقاء شكلا جماعيا، يجعل هناك نوعا من التردد في إطلاق الحكم الشرعي إلا بعد تقديم بحوث ودراسات متعمقة، حتى يخرج علماء الأمة بفتوى جماعية توضح الحكم في المسألة.
وفي هذا الصدد يجب على المسلمين أن يرجعوا إلى منهج الإسلام في تيسير الزواج، وألا يُكلف الزوج فوق طاقته، وأن يتخير لابنته من يعرف لها حقها، ويحفظ لها دينها، ويسعى لإسعادها في حياتها.
ولعل في الرجوع إلى منهج الإسلام في تيسير الزواج غناء عن هذه الصورة وغيرها.
ويمكن اقتصار زواج الأصدقاء ساعتها إلى تحويل الصداقة بين الجنسين إلى الطريق المشروع وهو الزواج الشرعي مع تيسيره بما لا يشق على شباب المسلمين.