إن نظام التأمين في ذاته (بقطع النظر عن كل عقد تأميني خاص يُعقد بين شركة تأمين معينة وبعض المستأمِنين بشروط معينة قد تختلف بين شركة وأخرى ومستأمَن وآخر) هو في نظرنا نظام تعاملي، يُحقق غاية تعاونية جائزة شرعًا، سواء في ذلك التأمين على الأشياء أو المسؤولية أو الحياة، ويتم بطريقة التعاقد، وعقده من العقود الجديدة المُستحدثة في نوعها وموضوعها، ولا يوجد في نظرنا مانع شرعي من صحته.
وتخريجه تطبيقًا على الهِبَة المعوَّضة أو غيرها من العقود المعروفة قبْلاً في الشرع ليس في نظرنا ضروريًّا للحكم بصحته لأمرين:
1 – لأن الشرع الإسلامي لم يمنعْنا منَ استحداث عقود جديدة في موضوعات جديدة، إذا لم يكن فيها ما يتنافى مع مقاصد الشريعة ومبادئها العامة في نظام التعاقد، وفي الشروط العقدية التي يشرطها المتعاقدان.
2 – ولأن تخْريج عقد التأمين على بعض العقود التقْليدية القديمة المشروعة قبلاً، يقتضي إلحاق عقد التأمين بالعقد التقليدي الذي يجري تخريجه عليه، وتطبيق أحكام ذلك العقد القديم وشرائطه الشرعية في عقد التأمين الملحق به، وهذا غير مقصود المتعاقدين، وغير واقع فعلاً، وإلا لم يبقَ مسوِّغ لإعطائه اسمًا جديدًا هو (التأمين) بل يجب حينئذ أن يُطلق عليه اسم العقد الملحق به، فتخريجه مثلاً على الهبة المعوضة يصطدم بأن الهبة ـ سواء أكانت معوضة أم غير معوضة هي من التبرع الذي لا يتم انعقاده شرعًا إلا بالقبض، (وهذا من أحكام الهبة الأساسية) كما يصطدم بأحكام أخرى من أحكام الهبة.
فالرَّأي الشرعي السديد في نظرنا هو: أن التأمين بطريق التعاقد هو نوع جديد من العقود، يتحقق به تعامل تعاوني يخضع للشرائط العامة الشرعية في التعاقد، ولا يوجد في نظرنا في الشرائط العامة الشرعية لانعقاد العقود وصحتها ما يقتضي منعه.
هذا بالنسبة لنظام التأمين التعاقدي بوجه عام. أما العقود الخاصة التي تجري بين إحدى شركات التأمين وبعض المستأمنين تطبيقًا لهذا النظام، والتي تتضمن مشارطات بينهما تختلف بين عقد وآخر، فهذا لا يمكن الإفتاء بصحته بصورة مُطلقة، مهما كانت مضمونات العقد ومشارطاتهما فيه؛ بل يجب أن ينظر في كل عقد على حدةٍ؛ لأن من المشارطات العقدية ما هو جائز وما هو ممنوع شرعًا.
فالبيْع مثلاً هو نظام تبادلي جائز بنص القرآن (وأحلَّ الله البيعَ وحرَّم الرِّبا) وليس معنى هذا هو جواز كل بيع يتبايع به طرفان مهما كان مضمونه واشترطاتهما فيه، والله سبحانه أعلم.