حق الجار في الإسلام:
أعلم أن الجوار يقتضي حقاً وراء ما تقتضيه أخوة الإسلام، فيستحق الجار المسلم ما يستحقه كل مسلم وزيادة وقد قال ﷺ “أحسن مجاورة من جاورك تكن مسلماً وقال النبي ﷺ “مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه” وقال ﷺ “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره” وقال ﷺ “لا يؤمن عبد حتى يأمن جاره بوائقه”. حكم الصبر على أذى الجار: ويروى أن رجلاً جاء إلى ابن مسعود رضي الله عنه فقال له: إن لي جاراً يؤذيني ويشتمني ويضيق علي، فقال: اذهب فإن هو عصى الله فيك فأطع الله فيه. وقيل لرسول الله ﷺ: إن فلانة تصوم النهار وتقوم الليل وتؤذي جيرانها فقال ﷺ: “هي في النار”.
وجاء رجل إليه عليه الصلاة والسلام يشكو جاره فقال له النبي ﷺ: “اصبر” ثم قال له في الثالثة أو الرابعة: “اطرح متاعك في الطريق” قال: فجعل الناس يمرون به ويقولون ما لك؟ فيقال: آذاه جاره قال فجعلوا يقولون: لعنه الله، فجاءه جاره فقال له: رد متاعك فوالله لا أعود.
هل يكون حق الجار فقط بكف الأذى:
واعلم أنه ليس حق الجوار كف الأذى فقط بل احتمال الأذى، فإن الجار أيضاً قد كف أذاه فليس في ذلك قضاء حق، ولا يكفي احتمال الأذى بل لابد من الرفق وإسداء الخير والمعروف. وجملة حتى الجار: أن يبدأه بالسلام، ولا يطيل معه الكلام، ولا يكثر عن حاله السؤال وذلك كي لا يضايقه، ويعوده في المرض ويعزيه في المصيبة، ويقوم معه في العزاء، ويهنئه في الفرح، ويظهر الشركة في السرور معه، ويصفح عن زلاته، ولا يتطلع من السطح إلى عوارته. ولا يضايقه في وضع الجذع على جداره، ولا في مصب الماء في ميزابه، ولا في مطرح التراب في فنائه، ولا يضيق طرقه إلى الدار، ولا يتبعه النظر فيما يحمله إلى داره، ويستر ما ينكشف له من عوراته، وينعشه من صرعته إذا نابته نائبة، ولا يغفل عن ملاحظة داره عند غيبته، ولا يسمع عليه كلاماً، ويغض بصره عن حرمته، ولا يديم النظر إلى خادمته، ويتلطف بولده في كلمته، ويرشده إلى ما يجهله من أمر دينه ودنياه ، قال مجاهد: كنت عند عبدالله بن عمر وغلام له يسلخ شاة، فقال: يا غلام إذا سلخت فابدأ بجارنا اليهودي، حتى قال ذلك مراراً فقال له: كم تقول هذا؟ فقال إن رسول الله ﷺ لم يزل يوصينا بالجار حتى خشينا أنه سيورثه. وقال هشام: كان الحسن لا يرى بأساً أن تطعم اليهودي والنصراني من أضحيته، وقال أبو ذر رضي الله عنه: أوصاني خليلي ﷺ وقال: “إذا طبخت قدراً فأكثر ماءها، ثم انظر بعض أهل بيت في جيرانك فاغرف لهم منه”. وقالت عائشة رضي الله عنها: قلت يا رسول الله إن لي جارين أحدهما مقبل علي بابه والآخر ناء ببابه عني، وربما كان الذي عندي لا يسعهما، فأيهما أعظم حقاً؟ فقال: المقبل عليك بابه” ورأى الصديق ولده عبدالرحمن وهو يناصي جاراً له، فقال: لا تناص جارك، فإن هذا يبقى والناس يذهبون، وقال الحسن بن عيسى النيسابوري: سألت عبدالله بن المبارك فقلت: الرجل المجاور يأتيني فيشكو غلامي أنه أتى أمراً والغلام ينكره، فأكره أن أضربه ولعله برئ وأكره أن أدعه فيجد علي جاري، فكيف أصنع؟ قال: إن غلامك لعله أن يحدث حدثاً يستوجب فيه الآداب فاحفظه عليه، فإذا شاه جارك فأدبه على ذلك الحدث، فتكون قد أرضيت جارك وأدبته على ذلك الحدث، وهذا تلطف في الجمع بين الحقين. وقالت عائشة رضي الله عنها: خلال المكارم عشر تكون في الرجل ولا تكون في أبيه وتكون في العبد ولا تكون في سيده، يقسمها الله تعالى لمن أحب: صدق الحديث، وصدق الناس، وإعطاء السائل، والمكافأة بالصنائع، وصلة الرحم، وحفظ الأمانة، والتذمم للجار، والتذمم للصاحب، وقرى الضيف، ورأسهن الحياء، وقال أبو هريرة رضي الله عنه: قال “إن من سعادة المرء المسلم: المسكن الواسع، ,الجار الصالح، والمركب الهني”.
وقال عبدالله: قال رجل: يا رسول الله، كيف لي أن أعلم إذا أحسنت أو أسأت؟ قال: إذا أسأت” وقال جابر رضي الله عنه: قال رسول الله ﷺ: “من كان له جار في حائط أو شريك فلا يبعه حتى يعرضه عليه” وقال أبو هريرة رضي الله عنه: قضى رسول الله ﷺ: “أن الجار يضع جذعه في حائط جاره شاء أم أبى” وقال ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله ﷺ: “لا يمنعن أحدكم جاره أن يضع خشبة في جداره”. وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول: ما لي أراكم عنها معرضين، والله لأرمينها بين أكتافكم. وقد ذهب بعض العلماء إلى جوب ذلك، وقال ﷺ: “من أراد الله به خيراً عسله” قيل: وما عسله؟ قال: “يحببه إلى جيرانه”. وبعد هذا كله نقول لكل مسلم أن يصبر ويحتسب أذى جاره كله عند الله وأن يرد السيئة بالحسنة وأجره على الله.