المقصود من تطهير أثر ولوغ الكلب بالتراب هو استعمال مادة مع الماء مِن شأنها تقوية الماء في إزالة ذلك الأثر ، وإنما ذكر التراب في الحديث ؛ لأنه الميسور لعامة الناس ، ويجوز الاكتفاء في التطهير المَطلوب بالمُطهرات القوية وإن لم تكن ترابًا.
يقول الشيخ محمود شلتوت –رحمه الله- :
إن مِن أبرز خصائص الإسلام العناية بالطهارة والنظافة للإنسان في جسمه، وفي ثوبه، وفي مكانه، وفي آنِيته التي يأكل فيها ويشرب.
وقد بلغت أحاديث الرسول ـ التي تُوصى بكمال العناية في الطهارة ـ حدَّ الكثرة المُتواترة، وتَتَبَّعَتْ في ذلك مواقع القذَر، فأمرتْ بغَسلها وتَطهيرها، وشدَّدتْ في بعض المواقع نظرًا لمَا لها مِن الأثَر السيئ في صحة الإنسان وعملًا على سلامته من الجراثيم الفتَّاكة التي تذهب بصحته وتقضي على حياته.
وُلُوغُ الكلْب في الإناء:
وكان مِن ذلك الحديث المُتَّفق عليه بين المُحَدِّثين بالنسبة للإناء الذي ولَغ فيه الكلب، وهو فيما يرويه أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ: “إذا شرِب الكلْب في إناء أحدكم فلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا”. وفي بعض الروايات: “طُهُور إناء أحدكم إذا ولَغ فيه الكلب أن يغسله سبْع مرات إحداهن بالتراب، أو أُولاهن بالتراب، أو عفِّرُوه الثامنة بالتراب).
وقد فهِم كثير من العلماء أن العدد في الغُسل مع الترتيب مَقصودان لذاتهما، فأوجبوا غَسْل الإناء سبْع مرات، كما أوجبوا أن تكون إحداهن بالتراب.
الفَهْم الذي نطمئن إليه:
ولكن الذي نفهمه، هو الذي فهِمه غيرهم من العلماء، وهو أن المقصود من العدد مُجرد الكثرة التي يتطلبها الاطمئنان على زوال أثَر لُعاب الكلْب من الآنِية. وأن المقصود من التراب استعمال مادة مع الماء مِن شأنها تقوية الماء في إزالة ذلك الأثر، وإنما ذكر التراب في الحديث؛ لأنه الميسور لعامة الناس؛ ولأنه كان هو المعروف في ذلك الوقت مادةً قوية في التطهير واقتلاع ما عساه يتركه لُعاب الكلب في الإناء من جراثيم.
ومِن هنا نستطيع أن نُقرر الاكتفاء في التطهير المَطلوب بما عرَفه العلماء بخواص الأشياء من المُطهرات القوية وإن لم تكن ترابًا، ولا من عناصرها التراب.