لا تصح نية قضاء رمضان بعد الفجر عند أحد من المذاهب الأربعة ، ومثل القضاء النذر الذي لم يحدد له يوم معين ، وكذلك صيام الكفارات ، وما عدا ذلك من أنواع الصيام فمحل خلاف بين الفقهاء ، والراجح من أقوالهم أن النية في النفل تجزيء ولو بعد الظهر ، أما الصوم الواجب فلا بد من تبييت النية فيه من الليل .
يقول الدكتور يوسف القرضاوي :-
جمهور الفقهاء على أن الواجب هو تبييت النية من الليل، أي إيقاعها في جزء من الليل قبل طلوع الفجر.
واستدلوا بحديث ابن عمر عن حفصة مرفوعًا: “من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له” رواه أحمد وأصحاب السنن.
ومعنى يجمع: أي يعزم. يقال: (أجمعت) الأمر، إذا عزمت عليه.
والحديث مختلف في رفعه ووقفه وحسبنا أن البخاري وأبا داود والنسائي والترمذي وابن أبي حاتم صححوا وقفه (ذكر ذلك الحافظ في “التلخيص” المطبوع مع المجموع -304/6).، فلا يصلح إذن للاستدلال على ما اختلفوا فيه.
ولهذا كان هناك مجال للاختلاف في وقت النية متى هو؟.
فمن أخذ بالحديث المذكور جعل وقتها قبل الفجر.
ومن لم يأخذ به أجازها قبله وبعده كما هو مذهب أبي حنيفة الذي يجيز صوم رمضان بنية من الليل، وإلى نصف النهار.
ومنهم من قصر تبييت النية على الفرض، وأما النفل فأجازوه في النهار إلى ما قبل الزوال.
وحجتهم ما رواه مسلم عن عائشة: أن النبي ﷺ كان يدخل على بعض أزواجه، فيقول: “هل من غداء؟” فإن قالوا: لا، قال: “فإني صائم” (رواه مسلم -باب جواز صوم النافلة بنية من النهار قبل الزوال).
وكذلك ما جاء في الصحيحين أنه ﷺ حين فرض صوم عاشوراء أمر رجلاً من أسلم يؤذن في الناس في النهار: “ألا كل من أكل فليمسك، ومن لم يأكل فليصم” (رواه البخاري -باب صيام يوم عاشوراء، ومسلم -باب من أكل في عاشوراء فليكف بقية يومه).
بل ذهب بعضهم إلى جواز النية بعد الزوال.
ومن الفقهاء – مثل الزهري وعطاء وزفر – من لم يوجبوا النية في صوم رمضان وكأنهم – والله أعلم – يرون أن صوم رمضان لا يحتاج إلى نية من المسلم، فهو بمجرد إمساكه صائم.
وذهب الإمام مالك إلى أن نية الصيام في أول ليلة من رمضان كافية للشهر كله، ومغنية عن تجديد نية لكل ليلة، باعتبار صوم رمضان عملاً واحدًا، وعبادة واحدة، وإن كانت موزعة على الأيام، كالحج تكفيه نية في أوله، وإن كانت أفعاله موزعة على عدد من الأيام، وهو مذهب إسحاق ورواية عن أحمد.
والظاهر: أن صوم كل يوم عبادة مستقلة، مسقطة لفرض وقتها، بخلاف الحج فإنه كله عمل واحد، ولا يتم إلا بفعل ما اعتبره الشرع من المناسك، والإخلال بواحد من أركانه يستلزم عدم إجزائه.
ومهما يكن من الاختلاف في أمر النية، فالمؤكد أنها في صيام رمضان مركوزة في ضمير كل مسلم حريص على صيام شهره، وأداء فرض ربه، ولا مشكلة في ذلك على الإطلاق.
وأما في صوم التطوع، فالأحاديث قاطعة بأن إنشاءها بالنهار جائز، كما عليه عمل الرسول الكريم وصحابته، ولكن يبدو أن الذي يثاب عليه هو الوقت الذي ابتدأ فيه النية، بكّر أو تأخر، إذ لا ثواب إلا بنية.انتهى
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية :-
ذهب الحنفية إلى جواز تأخير نية الصوم في صوم رمضان والنذر المعين والنفل إلى الضحوة الكبرى – أي قبل الظهر- .
أما في غير هذه الثلاثة فمنعوا تأخير النية فيها . وقالوا بوجوب تبييتها أو قرانها مع الفجر ، كقضاء رمضان ، والنذر المطلق ، وقضاء النذر المعين ، والنفل بعد إفساده ، والكفارات وغيرها .
وذهب المالكية إلى أن الصوم لا يجزئ إلا إذا تقدمت النية على سائر أجزائه فإن طلع الفجر ولم ينوه لم يجزه في سائر أنواع الصيام ، إلا يوم عاشوراء ففيه قولان : المشهور من المذهب أنه كغيره .
وفرق الشافعية والحنابلة بين الفرض والنفل ، فاشترطوا للفرض التبييت ، لقوله ﷺ : { من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له }
وأما النفل فاتفقوا على صحة صومه بنية قبل الزوال ، لحديث عائشة { أنه ﷺ قال لعائشة يوما : هل عندكم شيء ؟ قالت : لا . قال : فإني إذن أصوم }
وزاد الحنابلة ، وهو قول عند الشافعية : أن النفل يصح بنية بعد الزوال أيضا للحديث السابق ، ولأن النية وجدت في جزء النهار فأشبه وجودها قبل الزوال بلحظة .