لتوضيح هذا الموضوع من كافة جوانبه سنقوم بعرض كل نقطة تتعلق بهذا الموضوع على شكل سؤال ثم نبين الحكم الشرعي له للقارئ:

السؤال الأول – ” الرَّحم المؤجَّر” أو ” الأم الحاضنة” حيث إن البويضة المُلَقَّحة التي وُضِعت في رَحمها ليست بُويضتها، والحكم هو التَّحريم؛ لأن فيها صورة الزنا، والزنا محرم بالكتاب والسنة والإجماع وذلك لأمور، من أهمها أمران:

أ ـ المحافظة على الأنساب إذا كان الرجل والمرأة قابِلَيْن للإنجاب، بصلاحية مَائِهِ وصلاحية بويضتها، فلا يَدري لِمَن يُنسب المولود ويكون مَصيرُه الضَّياع، وَقَدْ صَحَّ في الحَدِيث الذي رواه البخاري ومسلم “الولد للفِرَاش وللعَاهِر الحَجَر.

ب ـ صيانة الأعْراض عن الانتهاك وحماية الحقوق لِكُلٍّ من الرَّجل والمرأة، وفي الزنا وقعت المُتْعة الجنسية بغير الطريق الشرعي الذي يدل عليه قول الله تعالى في صفات المؤمنين المفلحين ( والذين هم لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ . فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العَادُونَ).(سورة المؤمنون: 5-7).
وتَظْهر الحِكْمة الثَّانية في تحْريم الزِّنا إذا كان أحد الطَّرَفين غير صالح للإنجاب، كما في الصورة المذكورة في السؤال، حيث توقَّف جسم المرأة عن التَّبْويض فإذا كان مجرد دخول ماء الرَّجل الغريب عن المرأة في رَحِمِهَا حرامًا فكيف بدخول ماء وبويضة ” بويضة مُلَقَّحة بمائه” أي دخول جنين أو أصل جنين غريب عنها؟‍‍ إنَّ الحُرْمَة تكون من باب أولي.

السؤال الثاني- أصبح من الممكن الآن تلقيح بويضة بحيوان منوي وتجميد هذا الجنين لعدة سنوات حتى تحتاج إليه المرأة فيُوضع في رحمها وتحْمِل وتلِد، ويطرح هذا التطور عدة أسئلة عن حالات واقعية:
أولا: يقوم زوجان بتلْقيح من الزوجة بحيوانات مَنوية من الزوج قبل إقدام أحدهما على تناول العلاج الكيماوي أو الإشعاعي أو غيرهما من العلاجات التي لا تَسْمَح للزَّوْجين بالإنجاب، وبعد الانتهاء من العلاج تحْمل الزوجة بهذه البويضة المُلَقَّحة.
ثانيًا: قد يُتوفَّى الزَّوْج أثْناء العلاج أو لأيِّ سببٍ، فتلقَّح الزَّوجة بعد الوفاة بهذه البويضة وتحْمل مِن زوْجها الذي توفي.
ثالثًا: تَتوفَّى الزوجة فتلقَّح امرأة أخرى “أم حاضنة” بهذه البُويْضة فتحمل وتُسَلِّم الوليد للزَّوج.

والجواب:
أولًا: ما دامت الزوجية قائمةً فلا مانع من وضع البويضة المُلَقَّحة من ماء زوجها في رحمها وهي صاحبة البويضة، ويكون الجنين الذي حملته ووضعته منسوبًا شرعًا إلى الزوج والزوجة وهذه الصورة هي من صور التلقيح الصناعي الذي يتم فيه التلقيح بين الماء والبويضة خارج الرحم، ثم تُعاد البويضة إلى الزوجة صاحبتها، وذلك مشروع لا مانع منه مع اتخاذ الاحتياطات اللازمة.

ثانيا: إذا تُوفي الزوج انقطعت العَلاقة الزوجية من الناحية الجنسية بالذات بينه وبين زوجته، ووضع هذه البويضة المُلَقَّحة في رحمها أصبح وضْعًا لشيء غريب مُنْفصل عنها، فالمرأة صارت غريبةً عنه، ولذلك يحلُّ لها أن تتزوج من غيره بعد الانتهاء من العدة المضروبة لوفاة الزَّوج، وهي قبل انتهاء العدة أشبه بالمطلَّقة طلاقاً بائنًا، حيث لا يجوز أن تكون بينهما معاشرة زوجيَّة تُعْتَبر رجعة بالفعل في بعض المذاهب الفقهية، بل لا بد أن يكون ذلك بعَقْد جديد، وهو في هذه الصورة غير ممكن لوفاة الزوج، فلو وَضَعت المرأة – بعد وفاة الرجل بويضتها المُلَقَّحة منه قبل وفاته في رَحِمِها وحملت وولدت كان الولد غير منسوب إليه كولد الزِّنا، وإنما يُنْسب إليها هي، مع حُرْمَة هذه العملية.

ثالثًا: إذا تُوفِّيَت الزَّوجة فوضعت بويضتها المُلَقَّحة من ماء زوجها في رحم امرأة أخرى التي يُطْلق عليها اسم ” الأم الحاضنة” صاحبة الرحم المؤجَّر كان ذلك حرامًا، لما سبق ذكره في السؤال الأول من أنه زنا، حتى لو سلَّمت الولد للزوج.

السؤال الثالث- من المُعتقدات أن الطب الحديث سيتمكَّن قريبًا من تجميد الحيوانات المنوية، ويطرح البعض فكرة جديدة لتنظيم الحمل، وبعد الاحتفاظ بهذه الحيوانات المنوية المُجَمَّدة للرجل، ثم تعقيمه بربط الحبل المنوي عنده، بحيث لا تَحْتاج زوجته إلى استعمال وسائل منع الحمْل، مثل الحبوب وغيرها، فإذا أرادا الإنجاب استعملا بعض الحيوانات المنوية المجمَّدة، أي أنه على الرغم من انقطاع قدرة الرجل على الإنجاب من ناحية، فإنه يحتفظ خارج جِسْمه برصيد من الحيوانات المنوية المجمَّدة، يمكنه من الإنجاب،
حتى لو طلَّق زوجته وتزوَّج بأخرى، فما حكم هذه العملية؟
الجواب: يجوز للزوجة في هذه الحالة عند رغبتها في الحمل أن تستعمل بعض هذه الحيوانات المجمدة لتحمل بها؛ لأنها من ماء زوجها والزوجية قائمةٌ، ويكون الجنين منسوبًا إلى الزوج على الرغم من تعقيمه. ولو طلَّق زوجته أو لم يطلقها وتزوج بأخرى ولقَّحها من مَنِيِّه المجمد كان ذلك جائزًا، ويُنْسب المولود إليه؛ لأنه من مائه، وكذلك يُنْسب إلى الزوجة الأخرى شرعًا؛ لأنه من بويضتها المُلَقَّحة بماء زوجها.

السؤال الرابع- الموقف السابق يَطرح نفسه بالنسبة للزوجة وتجميد بويضاتها، فما حُكْمُه؟
الجـــواب: ما دامت البُويْضة المجمَّدة هي لزوجته يجوز أن يُلَقِّحها بمائه هو ما دامت الزوجية قائمةً، ولو طُلِّقت منه وتزوجت بآخر جاز للزوج الآخر أن يُلَقِّح بويضة هذه الزوجة بمائه، حيث لا يُوجد شيء غريب بين الطرفين.

السؤال الخامس- فكرة الأم الحاضنة، أو الرَّحم المؤجَّر، بأن تُلَقَّح بويضة من الزوجة بحيوان مَنَوِيٍّ من الزوج، ثم تدخل هذه البويضة المُلَقَّحة في رحم امرأة أخرى، ثم تمرُّ بمراحل الحمل حتى تلد فتُسَلِّم المولود إلى الزوجَين الأصليَّيْن، هذه الطريقة يكون فيها المولود حاملاً لكل الخصائص الوراثية من الزوجين، ولا علاقة للأم الحاضنة بالطفل إلا علاقة إنماء الجنين عن طريق دمائها وجسمها.

والسؤال هنا: هل يُمْكن اعتبار الأم الحاضنة أُمًّا في الرَّضاعة، حيث هناك تشابهٌ كبير بين الحالتين، فالأمُّ في الرَّضاعة يُنمِّي لبنُها جسمَ الطفل كثيرًا، ويَحْدُث رباط عاطفي بينهما؟ وإذا كان ذلك لا يجوز فلماذا ما دامت ليس هناك شبهة زنا واختلاط في الأنساب؟
الجــواب: فِكْرة الأم الحاضنة أو الرحم المُؤَجَّر مُحَرَّمة، كما سبق ذكره في إجابة السؤال الأوَّل؛ لأن فيها صورة الزنا، حيث أَدْخَلَت الأم الحاضنة في رحمها جنينًا مكوَّنًا من ماء وبويضة ليس لها فيهما شيء. وقد قرَّر العلماء أن الحمل من الزنا يُنْسب لأمِّهِ الحامل به لتحقُّق وِلادَتِها منه، كما صحَّ في البخاري ومسلم عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله ـ ـ ألْحَقَ الوَلَدَ بالأم في قضية رجل وامرأة تَلَاعَنَا في زمنه، عندما اتَّهَم الزَّوْج زَوْجَتَه بأنَّ حملها ليس منه، ولا يُنْسَب لِمَن زنى بها عند جمهور الفقهاء.

ومَحلُّ ذلك إذا كان للمرأة الزانية اشتراك في تكوين الجنين عن طريق بويضتها، وفي صورة الأم الحاضنة ليس لها هذا الاشتراك إذا كانت عقيمًا لا تُفرِزُ بُوَيْضات فلا يُنْسَب لها الولد، لكن يُنْسَب لصاحِبَيِ البُوَيْضة المُلَقَّحة، وإن كان لِحَمْلِهَا تأثير أيضًا على تكوينه من جهة البيئة التي تربَّى فيها، كما يقول المختصون، فالولد يتأثر بمؤثرين، أحدهما الوراثة والثاني البيئة، كما المرضعة التي تُرْضِع ولد غيرها بِلَبَنِهَا؛ لأن لها تأثيرًا إلى حدٍّ ما على الرضيع، والحامل لجنين غيرِها في بَطْنِها وقد غذَّتْه بدَمِها كما تُغَذي كل جزء من أجزاء جسمها لا تعدو أن تكون كالمرضعة، وعمل المرضعة مشروع، غير أنَّ هناك فرقًا بينهما، فالحامل أدخلت رحمها شيئًا غريبًا عنه كما قدَّمْنا، فعملُها مُحَرَّم، والمُرْضِعة عملُها حَلالٌ، والولد في كلتا الحالتين منسوب لأبَوَيْه بالأصالة في تكوينه وبولادة أمِّه له في صورة الإرضاع بالاتفاق، وفي صورة الرَّحِم المُؤَجَّر على ما رجَّحْتُه من الأقوال.

السؤال السادس- إذا كان الرجل متزوِّجًا من زوجتين، الأولى لا يُنتِج جسمها بويضات لسبب أو لآخر، أو لا يُمْكن أن تحمل باستعمال بويْضاتها هي، فهل يُمْكِن أو تُؤْخَذ بويضة من الزوجة الثانية تُلَقَّح بحيوان منوي من زوْج المرأتين، ثم يُوضَع الجنينُ في رحِمِ الزَّوْجة الأولى لتحمِل وتَلِد، هل يجوز ذلك؟ وإذا كان لا يجوز فلماذا ما دام الأب واحدًا والعملية كلُّها تتمُّ داخل إطار علاقة زوجيَّة مشتركة؟
الجــواب: إذا أُخِذَت بويضة الزوجة الثانية المُلَقَّحة بمني زوجها ووُضِعت بدون إذنها وموافقتها في رحم ضُرَّتها الأولى كان ذلك حرامًا؛ لأنه اعتداء على حق الغير بدون إذنه، والكل يعلم ما بين الضرائر من حساسية شديدة، وأثر ذلك على الأسرة.

وإن كان بإذنها وموافقتها يُثار هذا السؤال: لماذا يَلجأ الزوج إلى هذه العملية؟ إن كان لمصلحة تعود عليه هو مثل كثرة الإنجاب الحاصل من زوجتين لا من زوجة واحدة فقد يكون ذلك مقبولًا إن دعت إليه حاجة أو ضرورة، مع التأكُّد من القيام بواجب الرعاية الصحيحة، ومع ذلك لا أوافق عليه لما سيأتي بعد من العلاقة بين الإخوة الأشقاء والإخوة غير الأشقاء. وإن كان لمصلحة تعود على الزوجين، فإن المصلحة العائدة على الزوجة الثانية الصالحة للإنجاب ليست ذات قيمة، بل قد يكون في ذلك ضرر على أولادها عند تقصير الأب عن الوفاء بحق هذه الكثرة من الأولاد، أو بضآلة نصيب أولادها من ميراث أبيهم حيث يُوَزَّع على عدد كبير من أولاده. وإذا كانت المصلحة عائدة على الزوجة الأولى التي لا تُنْجِب فإنها تتمثل في أمرين هامين، أولهما إرضاء عاطفة الأمومة وعدم الشعور بنقصها بالنسبة لضُرَّتها، لكنَّها لا تتحقَّق إلا إذا كان أولادها يُنْسَبون إليها، وقد تقرَّر – كما سبق ذكره – أنها مجرد أمِّ حاضنة وما يَنتُج منها فهو لزوجها ولضرَّتها صاحبة البُوَيضة، فإذا عَرَفت أن من يُولد منها فهو لضرتها، فلماذا تُتْعِب نفسها بالحمل والوضع دون فائدة لها؟ إذًا ليست هناك مصلحة لها قيمتها من هذه العملية لكلتا الزوجتين، ولا يجوز للزوج أبدًا أن يجعل ما تَلِدَهُ الزوجة الأولى الحاضنة أولادًا لها؛ لمعارضته ما سبق ذكره، ولأنهم سيكونون بذلك بالنسبة لأولاد الزوجة الثانية صاحبة البويضة إخوة غير أشقاء، أي إخوة من أب فقط، وهذا له أثره في الميراث إذا تُوفِّي أحد الإخوة، فالأخ الشقيق يَحْجُب الأخ لأب، والحاضنة إذا ماتَت لا يَحقُّ لها شرعًا أن تَرِثَ مِمَّن ولدتْهم ولا أن يرثوا منها، فالأمومة النسبية مقطوعة، وذلك إلى جانب ما يكون بين الأولاد من كل من الزوجتين من حساسِيَات معروفة لها آثارٌ غير طيِّبة.

وهنا يُمْكِن أن نقول: إن المفاسد المُتَرتِّبة على هذه العملية أكبر من المصلحة العائدة على الزوج والزوجتين والقاعدة الشرعية تقول: درء المفاسد مُقَدَّمٌ على جلب المصالح. ولهذا أُرَجِّح عدم جواز هذه العملية، وإذا كان للزوج رغبةٌ في كثرة الإنجاب فأمامه الوسائل المشروعة الأخرى، مع مراعاة واجب العدل في معاملة الزوجات والأولاد.

السؤال السابع- في الحالة نفسها وهي حالة زوج الاثنتين، هل يجوز أن تكون إحدى الزوجتين أُمًّا حاضنة لبويضة مُلَقَّحة هي للزوجة الأخرى؟
الجــواب:قُلْنا: إنَّ الأم الحاضنة لا يجوز لها أن تُدْخِل رحمها ماءً غير ماءِ زوجها، وفي الصورة المذْكورة وإن كان الماء ماءَ زوجها فإنَّ البويضة ليست لها، وعلى فرض التجاوز في ذلك إذا كانت حضانَتُها للبويضة بإذن صاحِبَتِها فإن الآثار المترتِّبة عليها والتي سَبَقَ بيانها في إجابة السؤال السابق تجْعَلُنا نرَجِّح عدم الجواز.

السؤال الثامن- يقوم الأطباء الآن باختيار جنس الجنين عن طريقة دراسة مواصفات الحيوانات المنوية الذَّكَرِيَّة والحيوانات المنوية الأُنْثوية، وعزل الحيوان المطلوب لتلقيح بويضة الزوجة به، والسبب في محاولات تحديد جنس الجنين مُسْبقًا يكون غالبًا؛ لأن بعض الأمراض الوراثية لدى الزوجين يتوارثها الذُّكُور فقط، فيحاول الزوجان تَفادِي إنجاب الذُّكور، تَفاديًا لولادة أطفال مُعوَّقين أو مُشوَّهين بدرجة كبيرة، وفي بعض الأحوال يكون الزوجان قد أنجَبَا عدة ذكور ويُريدان إنجاب أنْثى أو العكس، فيلجأن إلى الطب لإنجاب ما يُريدان، فما هو الحُكْم في ذلك؟ وهل يُعْتَبر تدخُّلًا في الإرادة الإلهية واعتداءً على التوازن البشري، أم هو مجرد استغلال لما هو مُتَاحٌ من خَلْق الله؟
والجــواب: قضية التحكم في جنس الجنين شغلت العالم قديمًا وحديثًا، ولهم في ذلك طرق متعددة وأغراض متنوعة، والمدار في الحكم على ذلك هو اتِّباع النص إن وُجِد، فإن لم يُوجَد كان المدار على معرفة الغاية والوسائل المتَّبعة لبلُوغها، فيحرِّم الحرام ويُحلُّ الحلال من ذلك، ومعلوم أن الله سبحانه خلق آدم وخلق له حواء، وذلك من أجل التناسُل وعمارة الكون، والتنوُّع لا بد منه لحركة الحياة، قال تعالى: ( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (سورة الذاريات:49)، والتناسب بين نوعَيِ الذُّكورة والأُنوثة مطلوب، وطُغيان أحدهما على الآخر ليس من المصلحة.

والناس من قديم الزمان وقبْل مَجِيء الإسلام يُؤْثِرون الذَّكر على الأنثى لعوامل تتناسب مع أغراضهم وظروف حياتهم، ونظرًا لما كان عليه العربُ قبل الإسلام من تفضيل الذَّكر على الأنثى وما أدَّى إليه من وأْد البنات وحرمانهنَّ من كثير من الحقوق، جاء قول الله تعالى: (لله مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ. أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (سورة الشورى:49،50)

وعلى الرغم من تقرير الإسلام لذلك ما تَزَال المحاولات جادَّةً في هذا السبيل، ويتلخَّص موقف الدِّين منها فيما يأتي:
1- إذا كانت المحاولات يسيطر عليها الغُرور بالعلم لحَلِّ المشْكلات وعدم الإيمان بأن إرادة الله غالبة، كما هو شأن المادِّيين، كانت مُحَرَّمة باتفاق؛ لأنَّها إنْ لم تكن كفرًا فهي تؤدِّي إليه.

2- وإذا كانت المحاولات تحْت مَظَلَّة الإيمان بالله، واستغلال الفُرَص المُتاحة للخير، لمُجَرَّد أنَّها أسباب ومقدِّمات، والآثَار والنَّتائج مرْهُونة بإِرادة الله، كالتَّدَاوي من الأمراض مع الإيمان بأن الشفاء هو من الله– فيُنْظَر إلى أمرين:

الأول الهدف والغرض والنية الباعثة على ذلك.

والثَّاني الأسباب والوسائل التي يُتَوصَّل بها إلى تحقيق الأهداف؛ ذلك لأن الأعمال بالنيات، والوسائل تُعْطي حكم المقاصد، والأمثلة على ذلك كثيرة، نقول في ذلك:

أ ـ إذا كان الغَرَض من هذه العملية تجنب وراثة بعض الأمراض في الذكور أو الإناث، وكان ذلك بطريقة علمية مؤكَّدة ليس فيها ارتكاب مُحَرَّم فلا أرى مانعًا من ذلك؛ لأن الوقاية خير من العلاج. والقرآن ينْهانا عن الإلقاء بأيدينا إلى التَّهْلكة، والحديث يُحذِّرنا من العدوى والتعرُّض لها، فلا ندخل بَلدًا سَمِعْنا أن فيه طاعُونًا، ولا نخرج منه إذا وقع ونحن فيه، وينهانا عن الأكل مع المجْذوم، وعن التعامل مع أي شيء فيه ضرر، فلا ضرر ولا ضرار في الإسلام، إلى غير ذلك من النصوص.

ب ـ إذا كان الغرض من هذه العملية هو الإكثار من أحد النَّوْعين إلى الحد الذي يختل فيه التوازن ويُؤدى إلى ارتكاب الفواحش والمنكَرات كالمُتْعَة بين الجنس الواحد، أو يؤدى إلى إرهاب الغير بكثْرة الذُّكور مثلًا، أو استغلال النَّوْع الآخر لأغراض خبيثة كان ذلك حرامًا لا شك فيه، ويَكفي في ذلك قول الله تعالى في حقِّ بعض الكُفَّار المناوِئين لدعوة النبي ـ صلَّى الله عليه وسلم ـ ( أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِين . إِذَا تُتْلَى عَلَيْه آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ) (سورة القلم: 14،15)، وَمَا جاء في قوم لوط ومن يُكْرِهون فَتَيَاتِهِم على البِغَاء لابتغاء عَرَض الحياة الدنيا.

ج ـ وإذا كان من وسائل التحكم في نوع الجنين التعقيم النهائي الذي لا يكون بعده إنجاب كان ذلك مُحَرَّمًا؛ لأن فيه تعطيلًا لقوة لازمة لعمارة الكون، وتظهر فيه المعارضة لحُكْم الله وتقديره، ومن أجل ذلك منع الحديث الذي رواه البخاري وغيره خِصَاء الرجال من الناس، وكذلك إذا كان التحكُّم في جنس الجَنين عن طريق إجهاض الحامل يكون مُحَرَّما حتى في أيام الحمل الأولى، كما قال به كثير من الفقهاء. فالخلاصة أن هذه المحاولات إن كان الغرض منها مشروعًا، وكانت الوسائل مشروعة فلا مانع منها، وبغير ذلك تكون ممنوعة.

السؤال التاســع- هناك طريقة حديثة أخرى تُعتبر امتدادًا للطريقة السابقة وتأكيدًا لاحتمالاتها، ويَجْرى ذلك بتلقيح عدة بويضات من الزوجة بحيوانات منوية من الزوج، وتُتْرك هذه فترة لتوالد الخلايا، ثم تُؤْخَذ عَيِّنة منها وتُحَلل مكوِّناتها للتعرُّف على الكروموسومات، وبذلك يتَعَرَّف الطَّبِيب على مواصَفَات الجَنِين في هذه المرحلة المُبَكرة، وما إذا كانت ذَكرًا أو أنثى، ثم يُوضَع الجنينُ المَطْلُوب في رَحِمِ الزَّوْجة لتحمل وتلد، وتُتْرَك الأجِنَّة الأخرى فتموت، فهل يُعْتبر هذا إجهاضًا لتلك الأجِنَّة الأخيرة، رغم أن عُمْرها يكون عدة ساعات فقط؟
والجــواب: عرَّف العلماء الإجهاض بأنه إنزال الجنين من بطن أمه قبل تمام نموه الطبيعي، وما دامت هذه البويضات المُلَقَّحة لم تكن في بطن المرأة فلا يَصْدُق على التخلُّص منها معنى الإجهاض، وقد جاء ذلك مُصَرَّحًا به في بعض أقوالِهم ومع ذلك تدْخل هذه العملية في حكم العملية المذكورة في السؤال السابق، وهو النَّظر إلى الغاية والوسيلة.