قال تعالى: (وما كُنْتُ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ ولا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إذًا لاَرْتَابَ المُبْطِلُونَ) (سورة العنكبوت : 48) وقال تعالى: (الذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ والإِنْجِيلِ) (سورة الأعراف : 157). تدلُّ الآيةُ الأولى، على أن النبي ـ صلّى الله عليه وسلم ـ كان قبل نزول القرآن عليه أمِّيًّا لا يقرأ ولا يكتب وتدل الآية الثانية على أن أهل الكتاب كانوا يعرفونه في كتبهم بذلك، وهذا أمر لا يختلف فيه أحد.
والحكمة في أمِّيّته بيّنتها الآية، وهي منع اتهام الكافرين له بأن القرآن أخذه عن غيره من الناس، أو نقله من الكتب السابقة، أما بعد نزول القرآن عليه فاختلف العلماء في كونه بَقِيَ على أمِّيّته، أو أنه تعلَّمَ القراءة والكتابة، فقال بعضهم: إن الأمِّيّة زالت عنه، واستدلوا بأدلة ثلاثة، أولها ما جاء في البخاري أنه غَيَّر في صحيفة صلح الحُدَيْبية عبارة “محمد رسول الله ” إلى “محمد بن عبد الله” ولا يحسن أن يكتب، وثانيها أنه قرأ صحيفة لعُيينة بن حِصن وأخبر بمعناها، وثالثها أنه قال عن المسيح الدّجّال “مكتوب بين عَينيه كافر”.
وقال الجمهور إنه ـ ﷺ ـ بَقِيَ أمّيًّا حيث تظلّ حكمة أميّته باقية، ولا يوجد مَطعَن في رسالته وفي القرآن الذي تلقّاه وحيًا من الله سبحانه ما زال يتنزّل مُنَجّمًا مفرّقًا إلى آخر حياته. وردُّوا على الدليل الأول لغيرهم بأن كون النبي ـ ﷺ ـ كتب بعض كلمات لا يمحو عنه وصف الأميّة، فكثير من الأمّيِّين اليوم يكتبون أسماءهم ويوقِّعون بها ومع ذلك لا يَستطيعون أن يقرؤوا ما وقعوا عليه، فهم ما يزالون على الرغم من ذلك أمِّيّين.
وردُّوا على الدليل الثاني بأن الحديث غير صحيح، فلا يعارِض الصحيح القوي من النصوص، كما ردُّوا على الدليل الثالث بأن معرفته لبعض الحروف لا تمحو عنه وصف الأمّيّة.
هذا، وإذا كانت أمّيّة الرسول ـ ﷺ ـ وصف كمالٍ له حِكمتُه، فإن الأمية فينا وصف ينبغي أن نتخلّى عنه؛ لأن النصوص كثيرة في الحثِّ على التعلُّم والتّعليم، والقراءة من أقوى المفاتيح لذلك، وقد كان من هديُه ـ ﷺ ـ في فِداء أسْرَى بدر تعليمَ بعض أولاد الأنصار القراءةَ والكتابة.
ونحن حين نحمد للكُتّاب غَيرتهم ودعوتَهم إلى محو الأمية نرجو منهم أن يتحرَّوا الصِّدق في الأخبار المَنقولة عن النبي ـ ﷺ ـ وما يُساعدهم من النصوص الصحيحة على دعوتِهم كثير.