الناسخ والمنسوخ:
والله سبحانه وتعالى حين نسخ بعض أحكامه ببعض ما ظهر له أمر كان خافيًا عليه وما نشأ له رأي جديد كان يفقده من قبل وإنما كان سبحانه يعلم الناسخ والمنسوخ أزلاً من قبل أن يشرعها لعباده. بل من قبل أن يخلق الخلق ويبرأ السماء والأرض. إلا أنه جلت حكمته – علم أن الحكم الأول المنسوخ منوط بحكمة أو مصلحة تنتهي في وقت معلوم.
وعلم بجانب هذا أن الناسخ يجئ في هذا الميقات المعلوم منوطًا بحكمة أو مصلحة أخرى ولا ريب أن الحكم والمصالح تختلف باختلاف الناس وتتجدد بتجدد ظروفهم وأحوالهم وأن الأحكام وحكمتها والعباد ومصالحهم والنواسخ والمنسوخات كانت كلها معلومة لله من قبل. ظاهرة لديه لم يخف شيء منها عليه والجديد في النسخ إنما هو إظهاره تعالى ما علم لعباده لا ظهور ذلك له.
وقد تأكد وقوع النسخ بتصريح الله سبحانه وتعالى بوقوعه في كتابه العزيز بقوله تعالى: “ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير”.
ـ وينقسم النسخ إلى أربعة أقسام.
أنواع أو أقسام نسخ القرآن بالقرآن:
1- نسخ الآية تلاوة وحكمًا.
2- ما نسخ حكمه دون تلاوته.
3- ما نسخت تلاوته دون حكمه.
ويدل على وقوعه ما صحت روايته عن عمر بن الخطاب وأبي بن كعب أنهما قالاً: كان فيما أنزل من القرآن “الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، نكالاً من الله والله عزيز حكيم” والرجم للزاني المحصن ثابت في الفقه الإسلامي.
وعليه العمل في الأمة الإسلامية وكان عمر بن الخطاب كثير التذكير بهذا الحكم الإسلامي خشية ضياعه، بنسخ تلاوة آيته.
الحكمة من رفع الحكم مع بقاء التلاوة:
2- كما أن بقاء الآية متلوة فيه بجانب ذلك الكثير من الفوائد وإن نسخ حكمها فهناك ثوابت تلاوتها وهناك الإعجاز بها وهناك الصلاة بها إلى غير ذلك مما لا يحصى من فوائد.
– ومما سبق يتبين لنا أن النسخ هو رفع حكم شرعي متقدم بدليل شرعي متأخر.
النسخ لا يقع في العقائد والأخلاق وأصول العبادات والمعاملات:
أما العقائد فلأنها حقائق صحيحة ثابتة لا تقبل التغيير والتبديل فبديهي ألا يتعلق بها نسخ.
وأما أمهات الأخلاق؛ فلأن حكمة الله في تشريعها ومصلحة الناس في التخلق بها. أمر ظاهر لا يتأثر بمرور الزمن ولا يختلف باختلاف الأشخاص والأمم.
وأما أصول العبادات والمعاملات. فلوضوح حاجة الخلق إليهما باستمرار لتزكية النفوس وتطهيرها. ولتنظيم علاقة المخلوق بالخلق والخالق على أساسهما.
وأما مدلولات الأخبار المحضة فلأن نسخها يؤدي إلى كذب الشارع في أحد خبريه الناسخ أو المنسوخ.
وهذا ولا يحكم بالنسخ إلا بخبر صريح عن الرسول ﷺ أو الصحابي أو عند التعارض المقطوع به مع معرفة التاريخ.