المصافحة خارج الصلاة سنة مستحبة ورد في فضلها حديث عن رسول الله ـ ﷺ ـ أما المصافحة عقب الصلاة فلم تحدث في عهد النبي ـ ﷺ ـ ولذلك حدث خلاف حولها بين من يرى أنها بدعة مكروهة وبين من يرى أنها سنة مستحبة، وما نرجحه أنها مباحة ولا ينطبق عليها اسم البدعة، فهي وإن كانت حادثة لم تكن في الصدر الأول غير أنها لا تخالف الشرع.
أما قول المصلي لأخيه حرما فهذا دعاء والدعاء مستحب على كل حال.
يقول فضيلة الشيخ عطية صقر ـ رحمه الله تعالى – :ـ
مصافحة المسلم لأخيه عند اللقاء أصلها مستحب، وذلك لتوكيد الألفة والمحبة بين المسلمين، وقد وردت في ذلك نصوص تدل على أنها كانت عادة جارية فعلها الصحابة كما أخرجه البخاري وغيره، وأقرها الرسول ـ ﷺ ـ بل حبب فيها بمثل قوله ” ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا” رواه أبو داود والترمذي وقال. حديث حسن.
ولم تكن المصافحة عقب الانتهاء من صلاة الجماعة معروفة أيام النبي ـ ﷺ ـ ولكن حدثت بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، بتأويل أن المصلين جماعة كانوا مع الله في رحلة روحية، حطوا الرحال منها بالتسليم الذي برره البعض بأنه تحية لمن على يمين المصلي ومن الملائكة وغيرهم، لأنه كان منصرفًا عنهم أثناء الصلاة.
ومع السلام عليهم كانوا يتصافحون بهذا المفهوم، ويدعو بعضهم لبعض أن يكون اللقاء في الصلاة في الحرم الشريف الذي تُشد الرحال إليه لمضاعفة ثواب الصلاة وغيرها من الطاعات، ويختصرون هذا الدعاء بقولهم “حرمًا” كما يدعون لبعضهم بعد الوضوء أن يمن الله عليهم بالوضوء من ماء زمزم في حج أو عمرة.
وتضاربت الأقوال في هذا العمل الذي لم يكن أيام الرسول والصحابة وهم يؤخذ عنهم التشريع فقال بعضهم إنه بدعة بالمعنى المذموم وهو كل بدعة ضلالة وقال بعضهم: إنه بدعة ولكن لا يوجد ما يصفها بأنها مذمومة وضلالة. حيث لم يرد نهى عنها، وكم من الأمور الحسنة حدثت بعد عهد التشريع ورأى الناس حاجتهم إليها فأخذوا بها وحرصوا عليها.
جاء في كتاب “غذاء الألباب” للسفاريني ج 1 ص: 283. أن ابن تيمية سئل عن المصافحة بعد العصر والفجر هل هي سنة مستحبة أم لا؟ فأجاب بقوله: أما المصافحة عقب الصلاة فبدعة لم يفعلها رسول الله ـ ﷺ ـ ولم يستحبَّها أحد من العلماء انتهى، قال السفاريني: ظاهر كلام العز بن عبد السلام من الشافعية أنها بدعة مباحة، وظاهر كلام الإمامين النووي أنها سنة قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري: قال النووي: وأصل المصافحة سنة كونهم حافظوا عليها في بعض الأحوال لا يخرج ذلك عن أصل السنة قال الحافظ: وللنظر فيه مجال، وبعضهم أطلق تحريمها انتهى، ويتوجه مثل ذلك عقب الدروس ونحوها من أنواع مجامع الخيرات.
والوجه المختار أنها غير محرمة، وقد تدخل تحت ندب المصافحة عند اللقاء الذي يكفر الله به السيئات، وأرجو ألا يحتد النزاع في مثل هذه الأمور التي تفيد ولا تضر، وحديث مسلم صريح في أن من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.
أما قول “حَرَمًا” فهو اختصار من دعاء هو “ندعو الله أن نلتقيَ في الحرم لنصلِّيَ فيه” لأنَّ الصلاة في الحَرَم يُضَاعَف ثوابُها. فهي دُعاء بزِيارة الحَرم للحَجِّ أو العمرة والصّلاة فيه، وليس هناك دليل يُحَرِّم هذا القول، فلا داعيَ للإنكار عليه.
ويقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله-:
الأصل في المصافحة عند اللقاء بين المسلمين شرعيتها وقد كان النبي- ﷺ- يصافح أصحابه- رضي الله عنهم- إذا لقيهم وكانوا إذا تلاقوا تصافحوا، قال أنس- رضي الله عنه- والشعبي- رحمه الله-: كان أصحاب النبي- ﷺ إذا تلاقوا تصافحوا وإذا قدموا من سفر تعانقوا وثبت في الصحيحين أن طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة– رضي الله عنهم- قام من حلقة النبي- ﷺ- في مسجده- عليه الصلاة والسلام- قام إلى كعب بن مالك – رضي الله عنه- لما تاب الله عليه فصافحه وهنأه بالتوبة وهذا أمر مشهور بين المسلمين في عهد النبي- ﷺ- وبعده وثبت عنه- ﷺ- أنه قال: ما من مسلمين يتلاقيان فيتصافحان إلا تحاتت عنهما ذنوبهما كما يتحات عن الشجرة ورقها ويستحب التصافح عند اللقاء في المسجد أو في الصف وإذا لم يتصافحا قبل الصلاة تصافحا بعدها تحقيقا لهذه السنة العظيمة. ولما في ذلك من تثبيت المودة وإزالة الشحناء. لكن إذا لم يصافحه قبل الفريضة شرع له أن يصافحه بعدها بعد الذكر المشروع .
أما ما يفعله بعض الناس من المبادرة بالمصافحة بعد الفريضة من حين يسلم التسليمة الثانية فلا أعلم له أصلا بل الأظهر كراهة ذلك لعدم الدليل عليه ولأن المصلي مشروع له في هذه الحال أن يبادر بالأذكار الشرعية التي كان يفعلها النبي- ﷺ- بعد السلام من صلاة الفريضة .
وأما صلاة النافلة فتشرع المصافحة بعد السلام منها إذا لم يتصافحا قبل الدخول فيها فإن تصافحا قبل ذلك كفى. انتهى كلام الشيخ
وأما عن تعريف البدعة : فهي طريقة مخترعة في الدّين يُقصد بها التعبّد والتقرب إلى الله تعالى .
وهذا يعني أنّه لم يرد بها الشّرع ولا دليل عليه من الكتاب أو السنة ولا كانت على عهد النبي ﷺ وأصحابه ، وواضح من التعريف أيضا أنّ المخترعات الدنيوية لا تدخل في مفهوم البدعة المذمومة شرعًا .
ولا بد من توافر شرطين في البدعة المنهي عنها في الشرع، أن تكون حادثة لم تكن في الصدر الأول، وأن تناقض أصلا من أصول الإسلام، وما يفعله بعض الناس من توسيع معنى البدعة حتى يشمل كل حديث ويفتي بالتحريم غير صحيح، فالعلماء متفقون سلفا وخلفا على أن ثمة بدعة حسنة مأجور فاعلها، وبدعة ضلالة آثم فاعلها، والخلط بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي للبدعة يؤدي إلى الوقوع في الخطأ .