يَعتَبِر القرآن الأولاد نعمةً ، وفي الوقت نفسه يَعتَبِرُهم فتنةً ، واختبارًا بالنسبة للآباء ، وتمييز الأولاد بعضهم على بعض – إذا لم يكن هناك سبب واضح للتمييز – يُعتَبَر صورة من صوَر الافتِتان بالأولاد .
يقول الدكتور محمد البهي عميد كلية أصول الدين الأسبق- رحمه الله-:
يَعتَبِر القرآن الأولاد نعمةً ، وفي الوقت نفسه يَعتَبِرُهم فتنةً ، أي محنة ، وبلاءً ، واختبارًا بالنسبة للآباء .
1 ـ فأب الأولاد قد يمنع إنفاق الخير على الآخرين عدا أولاده ، حرصًا على هؤلاء الأولاد .
2ـ وقد يعتزُّ بهم كعَصبية له ، ويطغى بهذه العصبية ويعتدي بها على مَن سواه .
3 ـ وقد يمتنع على أن يُسهم في الجهاد بنفسه أو بماله في سبيل الله والمصلحة العامة ، بسبب الميل إلى الأولاد والخشية عليهم .
4 ـ وقد يميِّز بعضهم على بعض في الأموال ، فيوجد بينهم العداوة والبغضاء .
واعتبرهم القرآن فتنةً لآبائهم في قول الله-تعالى- : (إِنَّمَا أَمْوالُكُمْ وأَوْلادُكُمْ فِتنَةٌ واللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (التغابن: 15). أي : لا تُخدَعوا بالأموال والأولاد فتسلُكوا بسببها مسلكًا منحرفًا يقوم على الاعتداء والطُّغيان.. أو على التقصير في شأن ما يجب أن يعمل ، فالأموال والأولاد إذا كانت نعمةً عظيمةً في الدنيا، فما عند الله في الآخرة خيرٌ وأعظم منها ، ولا ينال إنسان ما عند الله في آخرته حتى يكون مسلكُه إزاءَ نعمة الله في الدنيا مسلكًا مُعتَدِلاً ومستقيمًا، بعيدًا عن الضَّرَرِ والإيذاء .
وتمييز الأولاد بعضهم على بعض ـ إذا لم يكن هناك سبب واضح للتمييز كعاهةٍ دائمة لأحدهم ـ يُعتَبَر إذن صورة من صوَر الافتِتان بالأولاد. ولذا يُوصِي الرسول ـ ﷺ ـ بالعدل فيما بينهم. إذ يُروَى عن النعمان بن بشير قوله: “أن أباه انطلقَ به وهو يَحمِلُه إلى رسول الله ـ ﷺ ـ فقال: يا رسول الله: اشهَدْ أنِّي قد نَحَلْتُ ـ أعطيتُ ـ النعمان: كذا.. كذا.. من مالي. فقال: أكلَّ بَنِيكَ قد نَحَلْتَ مِثْلَ هذا؟. قال: لا، قال: فأشهِد على هذا غيري.. ثم قال: أيسُرُّك أن يكونوا إليك في البِرِّ سواء ـ أي هل تكون فَرِحًا ومسرورًا إذا قاموا جميعًا برعايتك عند الحاجة لا يتخلَّف واحد عن الآخر.. ولا يُقَصِّر واحد من بينهم عن الآخرين؟ ـ قال: بلى. قال: اتَّقوا الله، واعدِلوا في أولادكم”.