يشيع بعض المغرضين أن الإسلام حكم على المرأة بالسجن داخل البيت , فلا تخرج منه إلا إلى القبر !
فهل لهذا الحكم سند صحيح من القرآن والسنة ؟ ومن تاريخ المسلمات في القرون الثلاثة الأولى , التي هي خير القرون ؟
لا . . ثم لا .
فالقرآن يجعل الرجل والمرأة شريكين , في تحمل أعظم المسؤوليات في الحياة الإسلامية , وهي مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
يقول تعالى : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض , يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله ) .
وتطبيقا لهذا المبدأ وجدنا امرأة في المسجد ترد على أمير المؤمنين عمر الفاروق وهو يتحدث فوق المنبر على ملأ من الناس , فيرجع عن رأيه إلى رأيها ويقول بصراحة : « أصابت امرأة وأخطأ عمر » .
والنبي ﷺ يقول : « طلب العلم فريضة على كل مسلم » .
فيجمع علماء المسلمين على أن المسلمة أيضا داخلة في معنى الحديث ففرض عليها أن تطلب من العلم ما يصحح عقيدتها , ويقوم عبادتها , ويضبط سلوكها بأدب الإسلام في اللباس والزينة وغيرها , ويقفها عند حدود الله في الحلال والحرام , والحقوق والواجبات . ويمكنها أن تترقى في العلم حتى تبلغ درجة الاجتهاد .
وليس لزوجها أن يمنعها من طلب العلم الواجب عليها , إذا لم يكن هو قادراً على تعليمها , أو مقصراً فيه .
فقد كان نساء الصحابة يذهبن إلى النبي ﷺ يسألنه فيما يعرض لهن من شؤون , ولم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين .
وصلاة الجماعة ليست مطلوبة من المرأة , طلبها من الرجل , فإن صلاتها في بيتها قد تكون أفضل لظروفها ورسالتها , ولكن ليس للرجل منعها إذا رغبت في صلاة الجماعة بالمسجد , قال عليه الصلاة والسلام : « لا تمنعوا إماء الله مساجد الله » .
وللمرأة أن تخرج من بيتها , لقضاء حاجة لها أو لزوجها وأولادها , في الحقل أو السوق , كما كانت تفعل ذات النطاقين أسماء بنت أبى بكر , فقد قالت : « كنت أنقل النوى على رأسي من أرض الزبير – زوجها – وهي من المدينة على ثلثي فرسخ » .
وللمرأة أن تخرج مع الجيش , لتقوم بأعمال الإسعاف والتمريض وما شابه ذلك من الخدمات الملائمة لفطرتها ولقدراتها .
روى أحمد والبخاري عن الربيع بنت معوذ الأنصارية قالت : « كنا نغزو مع رسول الله ﷺ نسقي القوم ونخدمه ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة » .
وروى أحمد ومسلم عن أم عطية قالت : « غزوت مع رسول الله ﷺ , سبع غزوات , أخلفهم في رحالهم , وأصنع لهم الطعام , وأداوي الجرحى , وأقوم على الزمنى » .
فهذه هي الأعمال اللائقة بطبيعة المرأة ووظيفتها , أما أن تحمل السلاح وتقاتل وتقود الكتائب فليس ذلك من شأنها , إلا أن تدعو لذلك حاجة , فعند ذلك تشارك الرجال في جهاد الأعداء بما تستطيع , وقد اتخذت أم سليم يوم « حنين » خنجراً , فلما سألها زوجها أبو طلحة عنه قالت : « اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت بطنه » .
وقد أبلت أم عمارة الأنصارية بلاءً حسناً في القتال يوم « أحد » , حتى أثنى عليها النبي ﷺ , وفي حروب الردة شهدت المعارك بنفسها , حتى إذا قتل مسيلمة الكذاب عادت وبها عشر جراحات .
فإذا شاع في بعض العصور حبس المرأة عن العلم , وعزلها عن الحياة , وتركها في البيت كأنها قطعة من أثاثه , لا يعلمها الزوج , ولا يتيح لها أن تتعلم – حتى إن الخروج إلى المسجد أصبح عليها محرماَ – إذا شاعت هذه الصورة يوما فمنشؤها الجهل والغلو والانحراف عن هدي الإسلام , واتباع تقاليد مبالغة في التزمت , لم يأذن بها الله , والإسلام ليس مسؤولا عن هذه التقاليد المبتدعة بالأمس , كما أنه ليس مسؤولا عن تقاليد أخرى مسرفة ابتدعت اليوم . إن طبيعة الإسلام هي التوازن المقسط , في كل ما يشرعه ويدعو إليه من أحكام وآداب , فهو لا يعطي شيئا ليحرم آخر , ولا يضخم ناحية على حساب أخرى , ولا يسرف في إعطاء الحقوق , ولا في طلب الواجبات .
ولهذا لم يكن من همّّ الإسلام تدليل المرأة على حساب الرجل , ولا ظلمها من أجله , ولم يكن همه إرضاء نزواتها على حساب رسالتها , ولا إرضاء الرجل على حساب كرامتها , وإنما نجد أن موقف الإسلام تجاه المرأة يتمثل فيما يلي :
( أ ) إنه يحافظ على طبيعتها وأنوثتها التي فطرها الله عليها ويحرسها من أنياب المفترسين الذين يريدون التهامها حراما , ومن جشع المستغلين الذين يريدون أن يتخذوا من أنوثتها , أداة للتجارة والربح الحرام .
( ب ) إنه يحترم وظيفتها السامية التي تهيأت لها بفطرتها , واختارها لها خالقها , الذي خصها بنصيب أوفر من نصيب الرجل , في جانب الحنان والعاطفة , ورقة الإحساس , وسرعة الانفعال , ليعدها بذلك لرسالة الأمومة الحانية , التي تشرف على أعظم صناعة في الأمة , وهي صناعة أجيال الغد .
( جـ ) إنه يعتبر البيت مملكة المرأة العظيمة , هي ربته ومديرته وقطب رحاه , فهي زوجة الرجل , وشريكة حياته , ومؤنس وحدته , وأم أولاده , وهو يعد عمل المرأة في تدبير البيت , ورعاية شؤون الزوج , وحسن تربية الأولاد , عبادةً وجهاداً , ولهذا يقاوم كل مذهب أو نظام يعوقها عن رسالتها , أو يضر بحسن أدائها لها , أو يخرب عليها عشها .
إن كل مذهب أو نظام يحاول إجلاء المرأة عن مملكتها , ويخطفها من زوجها , وينتزعها من فلذات أكبادها – باسم الحرية , أو العمل , أو الفن , أو غير ذلك – هو في الحقيقة عدو للمرأة , يريد أن يسلبها كل شيء , ولا يعطيها لقاء ذلك شيئا يذكر , فلا غرو أن يرفضه الإسلام .
( د ) إنه يريد أن يبني البيوت السعيدة , التي هي أساس المجتمع السعيد . والبيوت السعيدة إنما تبنى على الثقة واليقين , لا على الشك والريبة , والأسرة التي قوامها زوجان يتبادلان الشكوك والمخاوف , أسرة مبنية على شفير هار , والحياة في داخلها جحيم لا يطاق .
( هـ ) إنه يأذن لها أن تعمل خارج البيت فيما يلائمها من الأعمال التي تناسب طبيعتها واختصاصها وقدراتها , ولا يسحق أنوثتها , فعملها مشروع في حدود وبشروط . وخصوصاً عندما تكون هي أو أسرتها في حاجة إلى العمل الخارجي , أو يكون المجتمع نفسه في حاجة إلى عملها خاصة . وليست الحاجة إلى العمل محصورة في الناحية المادية فحسب , فقد تكون حاجة نفسية , كحاجة المتعلمة المتخصصة التي لم تتزوج , والمتزوجة التي لم تنجب , والشعور بالفراغ الطويل , والملل القاتل .
وليس الأمر كما يدعيه أنصار عمل المرأة دون قيود ولا ضوابط , .