خصت الشريعة الإسلامية القبور بقدر كبير من العناية فحرمت امتهانها أو الاعتداء عليها، وأباحت للمسلمين أن يعتنوا بقبورهم ومن مظاهر العناية المباحة وضع شاخص عند رأس القبر، ورفع القبر قدر شبر فقط ولا يزاد عليه وحرمت الزيادة فوق الشبر، كما حرمت طلاء القبور والبناء عليها.
يقول الشيخ محمد صالح المنجد ـ عن مظاهر العناية المباحة والمحرمة :
أولا:
للقبر في الشريعة الإسلامية قدر كبير من الحرمة ، لا يجوز لأحد التهاون فيه ولا الاعتداء عليه ، حتى لقد حرَّم النبي ﷺ الجلوس على القبر تحريما شديدا ، فقد جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ ) رواه مسلم (971).
وهذه الحرمة تقتضي من المسلمين العناية بالقبر بالقدر الذي يحفظ للميت حرمته ، ويصون كرامته ، ولا يعرضه للأذى والامتهان ، وذلك يكون بالوسائل الآتية :
1- وضع شاخص عند رأس القبر كما وضع النبي ﷺ علامة عند قبر الصحابي الجليل عثمان بن مظعون ، رواه أبو داود (3206) ، يقول النووي رحمه الله : ” السنة أن يجعل عند رأسه علامة شاخصة ، من حجر أو خشبة أو غيرهما ، هكذا قاله الشافعي والمصنِّف [ يعني :الشيرازي ] وسائر الأصحاب ” انتهى. ” المجموع ” (5/265)
2- رفع القبر قدر شبر فقط ولا يزاد عليه ، هكذا كان قبر رسول الله ﷺ: يقول ابن قدامة رحمه الله : ” يرفع القبر عن الأرض قدر شبر ليعلم أنه قبر , فيتوقى ويترحم على صاحبه … ولا يستحب رفع القبر إلا شيئا يسيرا ” انتهى. ” المغني ” (2/190) .
ونقل في “الموسوعة الفقهية ” (11/342) اتفاق الفقهاء عليه .
3- ينبغي إحاطة المقبرة كلها بسور يحفظها ويميزها عما حولها ، ويقيها من أذى الأولاد الصغار وأذى الدواب التي قد تمتهن القبور.
ثانيا :
وأما الوسائل المحرمة التي يقوم بها بعض الناس لحفظ قبور أقربائهم ، فهي متنوعة ، تختلف بحسب اختلاف البيئات ؛ فمن ذلك :
1- رفع القبر عن الأرض أكثر من شبر بدليل قول النبي ﷺ لعلي بن أبي طالب: ( لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ ) رواه مسلم (969)
2- البناء على القبور ، أي بناء كان ، مرتفعا أو غير مرتفع ، على شكل قبة أو مقام أو أي شكل من أشكال البناء . جاء في ” الموسوعة الفقهية ” (32/250): ” ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى كراهة البناء على القبر في الجملة , لحديث جابر : نهى رسول الله ﷺ أن يجصص القبر وأن يبنى عليه . وسواء في البناء بناء قبة أم بيت أم غيرهما . وقال الحنفية : يحرم لو للزينة , ويكره لو للإحكام بعد الدفن ” انتهى.
3- طلاء القبر بالدهان أو الجص أو غير ذلك من أنواع الزينة ، جاء في ” الموسوعة الفقهية ” (32/250): ” واتفق الفقهاء على كراهة تجصيص القبر , لما روى جابر رضي الله تعالى عنه : نهى رسول الله ﷺ أن يجصص القبر ، وأن يقعد عليه ، وأن يبنى عليه . قال المَحَلِّي : التجصيص التبييض بالجص ، وهو الجير . قال عميرة : وحكمة النهي التزيين , وزاد إضاعة المال على غير غرض شرعي ” انتهى.
4- إحاطة القبر بسور ـ سوى سور المقبرة الذي يحميها من العبث والامتهان ـ أو سياج لما فيه من شبه بالبناء المحرم على القبور ، يقول الشيخ الألباني رحمه الله : ” إحاطة القبر بهذه المقصورة على هذا الشكل المزخرف ، إنما هي نوع آخر من المنكر الذي يحمل الناس على معصية الله ورسوله صلى الله عليه و سلم ، وتعظيم صاحب القبر بما لا يجوز شرعاً ، مما هو مشاهد معروف ” انتهى. ” تحذير الساجد ” (ص/89)
5- الكتابة على القبور ، من المدح والثناء ، أو الرثاء ، أو نحو ذلك مما يدخل في معنى النياحة على الميت ، أو يفتح باب التعظيم والغلو فيه .
6- غرس الأشجار على القبور ، وزراعة النبات الأخضر عليه ، فليس ذلك من عادات المسلمين في قبورهم ، بل من عادات النصارى .
ثالثا :
وبناء على ما سبق ، فإن الصيانة المشروعة للقبر لا تكاد تحتاج إلى مال ينفق عليها ، ما دام القبر مصونا عن الامتهان والأذى ، وأما طلاؤه وتشييده والبناء عليه فهذا كله من العناية الممنوعة بالقبر ، وهكذا إحاطته بقضبان حديدية . وكون القبر عليه غبار : ليس من امتهان القبر في شيء؛ بل هذا هو شأن القبور دائما : أن يدفن أهلها تحت التراب .