الأصل أنه لا يجوز للأب أن يخص أحدا من أولاده بشيء من أملاكه على وجه الهبة دون الباقين ، ولكن عليه أن يعدل بين أولاده جميعا، لقوله ﷺ : “اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم” وعليه فعلى الأولاد أن يقوموا بمقاصة بحيث يتساووا ذكورا وإناثا فيما أخذوه ، وما بقي يوزع حسب قواعد الميراث ، سواء ما كان في حساباتهم أو حساب أبيهم ، وبهذه المقاصة تبرأ ذمتهم وذمة أبيهم .
صفة العدل بين الذكور والإناث في الهبة والميراث
جاء في كتاب المغني لابن قدامة عن كيفية العدل بين الذكور والإناث:-
التسوية المستحبة أن يقسم بينهم على حسب قسمة الله تعالى الميراث , فيجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وبهذا قال عطاء , وشريح , وإسحاق , ومحمد بن الحسن. قال شريح لرجل قسم ماله بين ولده : ارددهم إلى سهام الله تعالى وفرائضه، وقال عطاء : ما كانوا يقسمون إلا على كتاب الله تعالى .
وقال أبو حنيفة , ومالك , والشافعي , وابن المبارك : تعطى الأنثى مثل ما يعطى الذكر ; لأن النبي ﷺ قال لبشير بن سعد : ” سو بينهم . وعلل ذلك بقوله { : أيسرك أن يستووا في برك ؟ قال : نعم، قال : فسو بينهم } ، والبنت كالابن في استحقاق برها , وكذلك في عطيتها ، وعن ابن عباس قال : قال رسول الله ﷺ { : سووا بين أولادكم في العطية , ولو كنت مؤثرا لأحد لآثرت النساء على الرجال } . رواه سعيد في ” سننه ” .
ولأنها عطية في الحياة , فاستوى فيها الذكر والأنثى , كالنفقة والكسوة . ولنا أن الله تعالى قسم بينهم , فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين , وأولى ما اقتدى به قسمة الله , ولأن العطية في الحياة أحد حالي العطية , فيجعل للذكر منها مثل حظ الأنثيين , كحالة الموت (يعني الميراث).
هل يجوز تفضيل أحد الأبناء في الهبة أو الهدية أو العطية
يقول الدكتور حسام عفانه – أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس- :-
الأصل في هذه القضية أن يعدل الأب والأم بين أولادهما في المعاملات عامة وفي الهبات على وجه الخصوص لأن التفريق بين الأولاد في المعاملة يورث الحقد والحسد ويوقع العداوة والبغضاء بينهم .
والأحاديث الواردة عن الرسول ﷺ في هذه المسألة يفيد ظاهرها وجوب التسوية بين الأولاد في الهبات وبهذا قال جماعة من أهل العلم ولا بأس أن نستعرض بعض هذه الأحاديث :
1. عن النعمان بن بشير قال : قال النبي ﷺ : ” اعدلوا بين أبنائكم ، اعدلوا بين أبنائكم ، اعدلوا بين أبنائكم ” رواه احمد وأبو داود والنسائي وهو حديث صحيح .
2. وعن جابر رضي الله عنه قال : قالت امرأة بشير: انحل ابني غلاماً – عبداً – وأشهد لي رسول الله ﷺ فأتى رسول الله ﷺ فقال: إن ابنة فلان – زوجته – سألتني أن أنحل ابنها غلامي . فقال عليه الصلاة والسلام : “له أخوة ؟ قال : نعم ، قال عليه الصلاة والسلام : فكلهم أعطيت مثل ما أعطيته ؟ قال : لا ، قال عليه الصلاة والسلام : فليس يصلح هذا وإني لا أشهد إلا على حق ” رواه مسلم وأبو داود وأحمد وغيرهم .
3. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال : ( سووا بين أولادكم في العطية لو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء ) رواه سعيد بن منصور والبيهقي وقال الحافظ ابن حجر إسناده حسن .
فهذه الأحاديث يؤخذ منها وجوب التسوية بين الأولاد في الهبات والعطايا ، إلا أن الإمام أحمد بن حنبل يرى أنه يجوز للأب أن يفاضل بين الأبناء في الهبات والعطايا إن اختص أحدهم بأمر يقتضي المفاضلة ، كأن يكون أحدهم يدرس في جامعة أو مدرسة أو يكون أحد الأولاد فيه عاهة أو أنه فقير وعنده عائلة كثيرة الأولاد .
وتجوز المفاضلة أيضاً عنده إذا كان الولد فاسقاً ينفق ما يحصل عليه من مالٍ في معصية الله تعالى فيجوز للأب أن يمنع عنه العطية أو يعطي بقية أولاده أكثر منه .
وينبغي أن يعلم أن التسوية بين الأولاد ليست في الأمور المالية فقط وإنما ينبغي العدل في جميع أوجه التعامل معهم حتى أن العلماء يقولون ينبغي للأب أن يعدل بين أولاده في القبل – جمع قبلة – لذا يقول إبراهيم النخعي ( كانوا يستحبون أن يسووا بينهم حتى في القبل ) .
روي في حديث عن أنس أن رجلاً كان عند النبي ﷺ فجاء ابن له فقبله وأجلسه على فخذه ثم جاءت ابنة له فأجلسها بين يديه فقال ﷺ “ألا سويت بينهما “.
والله أعلم .
وللمزيد يمكن مطالعة :
العدل بين الأولاد في الهبات والعطايا
حرر هذه الفتوى: حامد العطار عضو لجنة تحرير الفتوى بالموقع .