بستحب الدعاء بالمأثور في الصلاة المفروضة والمسنونة ، وخاصة في السجود، كيف لا وقد صح أن النبي ﷺ قال : ” أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا من الدعاء في السجود” .
أما الدعاء بما ورد نصه في القرآن الكريم، فإن هذا يجوز أن يقال في السجود إذا كان بنية الدعاء ، ولا يجوز أن يقال بنية القراءة ، حتى لو مع نية الدعاء.
فقد اتفق الفقهاء على كراهة قراءة القرآن في السجود ، لحديث علي رضي الله عنه قال : { نهاني رسول الله ﷺ عن قراءة القرآن وأنا راكع أو ساجد } . وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ قال : { ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا ، فأما الركوع فعظموا فيه الرب ، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء ، فَقَمِنٌ (حري)أن يستجاب لكم }.
فيجوز الدعاء بنصوص القرآن بنية الدعاء، إذ الأعمال بالنيات ، والصلاة في اللغة معناها الدعاء، ومنه قوله تعالي: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) أي ادْعُ لهم بالبركة والنماء عند أخذ الزكاة، وهي في الشرع أقوال وأفعال مُفْتَتَحة بالتكبير مختتمة بالتسليم، فالصلاة التي نُصلِّيها فيها إلى جانب الأفعال كالركوع والسجود أقوال، كقراءة الفاتحة، والتشهد، والتسبيح، والتكبير، والدعاء في السجود وغيره، فهناك علاقة وثيقة بين الدعاء والصلاة؛ لأنها مناجاة لله مع حركات تشهد بالإخلاص في هذه المناجاة”، وقد بيَّن الرسول ـ ﷺ ـ الصلاة بما فيها من أقوال وأفعال، بيَّنها بفعله، وبقوله، وقال:”صَلُّوا كما رأيتموني أصلِّي. رواه البخاري، ونُظِّم الدعاء والذكر وجُعل له مواطن هو أولى وأجدر بها، وكُتُب السنة مملوءة بما كان يقوله ـ ﷺ ـ في كل ركن من أركان الصلاة، وفي السجود بالذات حثَّ النبي ـ ﷺ ـ على كثرة الدعاء، وقال في سبب ذلك كما رواه مسلم ” أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء” لكن هل هناك دعاء في غير السجود؟
فالصلاة مِن أوَّلها إلى آخرها محلٌّ للدعاء، وأوْلى بالدعاء المواطن التي بيَّنها النبي ـ ﷺ ـ كما سبق، وقد ثَبَتَ أنه في صلاة طويلة كان يقرأ القرآن، فإذا مرَّ بآية فيها تسبيح سبَّح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوُّذ تعوَّذ، وعلى ذلك، فإذا دعا الله في أي مكان فصلاته لا تَبْطُل، غير أني أنبِّه إلى أن بعض الفقهاء قال: إن الصلاة تَبْطُل لو دعا الإنسان بما يُشبه كلام الناس، مثل اللهم زوِّجْني فلانه، فالأولى أن يكون بغير ذلك، سواء أكان مأثورًا عن النبي ـ ﷺ ـ أم غير مأثور مع مراعاة الخشوع في الصلاة كلِّها، فهو أرْجَى لقَبُولها وقبول ما فيها من دعاء.