يقول الله عز وجل : ( وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79)
هؤلاء هم المنافقون، كانوا إذا أصابهم خير ورزق ومطر ينسبون هذا الفضل لله، وإذا أصابهم هم وفقر وجدب أضافوا ذلك إلى النبي ﷺ تشاؤما به – حاشاه- فأخبرهم الله أن هذا وذاك بقدر الله وإرادته ، فليس في الكون شيء إلا بقدره وإرادته.
ثم أعلمهم أن من يصاب بمصيبة فبما كسبت يداه، ومن أصابته حسنه فلأنه أطاع الله ، وعمل بموجبها.
يقول الشيخ رشيد رضا – رحمه الله- صاحب تفسير المنار :-
وأما قوله تعالى : [ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ] ( النساء : 79 ) وقوله تعالى : [ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ ] ( النساء : 78 )
فلا ينافيان ما تقدم ؛ لأن الثاني بيان لأن الله تعالى خالق كل شيء ، وقد جاء ردًّا على الذين [ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِندِك ] ( النساء : 78 ) وهم اليهود ، وكانوا يقولون ذلك للنبي ﷺ ، ومعنى :[ مِنْ عِندِك ] ( النساء : 78 ) بشؤمك علينا ، فنفى القرآن اعتقاد الشؤم ، وأثبت أن الأشياء إذا أضيفت إلى غير أسبابها الظاهرة فلا تضاف إلا إلى خالق الأكوان الذي يرجع إليه الأمر كله.
وأما الأولى فمعناها أن جميع ما خلقه الله تعالى للإنسان من الحسنات والنعم فهو فضل منه وإحسان لا في مقابلة عبادتهم له ؛ لأن العبادة لا تنفعه وعدمها لا يضره ، ومهما بلغ العبد من العبادة فلا يكافئ نعمة الوجود فكيف يقتضي غيره ؟
وأن جميع ما يصيبه من السيئات فهو من نفسه ؛ لأن الله تعالى بيّن له أسبابها بما هداه إليه من سنن الكون وأحكام الشرع التي تؤدب النفس وتقف بها عند حدود الاعتدال في الأعمال والمعاملات كلها ، فمن استرشد بسنن الكون ووقف عند حدود الشرع لا يضل ولا يشقى ، ومن أعرض عن ذكر الله المبين لها فإن له معيشة ضنكًا في هذه الحياة الدنيا ولَعذابُ الآخرة أشد وأبقى . فهذه الآية كالتي صدرنا بها المادة في بيان أن شقاء الإنسان إنما هو من نفسه بسوء أعماله وقبيح كسبه ، وإعراضه عن هداية الله تعالى في الاعتبار بكتابه وبخليقته . وأما الآية : [ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ ] ( النساء : 78 ) فهي مبينة للاعتقاد بالله تعالى لا للأسباب والمسببات ، والكل حق لا يرتاب فيه عاقل وإن لم يكن مسلمًا.