مَن اكتسب مالًا حرامًا، أو أخذه بغَير وجه حقٍّ، وأراد أن يتوبَ إلى الله، وَجب عليه بعد النّدم والعَزم على عدم العودة إلى المَعصية أن يردَّ الحقوق إلى أصحابها، وذلك إذا كانوا معروفين يردُّها إليهم أو إلى ورثتِهم ما أمكن ذلك، أو يطلُب منهم التنازُلَ عنها، فإن لم يستطع التعرُّف عليهم وجب عليه أن يضعَها في منفعة عامّة، أو يتصدّق بها عنهم، كما فعل عمر بن الخطاب مع المتسوِّل الذي طَلب منه طَعامًا فأحالَه على صحابيٍّ فأطعمه، ثم عاد يسأل فوجده محترِفًا ومعه زادٌ كثير، فأمرَ بطرحه أمامَ إبل الصَّدَقة؛ لأنّها مَنفعة عامّة للمسلمين.
جاء في تفسير القرطبي “ج 3 ص 366” ما نصه:
قال علماؤنا: إنَّ سَبيل التوبةِ ممّا بيده من الأموال الحرام:
إن كانت من ربا فليردّها على مَن أربَى عليه، ويطلُبه إن كان حاضِرًا، فإن أيِسَ من وجودِه، فليتصدَّق بذلك عنه.
وإنْ أخذَه بظُلم فليفعلْ كذلك في أمر مَن ظَلمه.
فإن التبسَ عليه الأمر ولم يدرِ كم الحرامُ من الحلالِ ممّا بيدِه فإنه يتحرّى قدر ما بيده ممّا يجب عليه ردُّه، حتّى لا يشكَّ أنّ ما يبقى قد خلص له فيردُّه مِن ذلك الذي أزال عن يدِه إلى مَن عرَف ممّن ظلمه أو أربى عليه، فإن أيِسَ من وجوده تصدّق به عنه.
فإن أحاطت المَظالم بذمّته وعلم أنه وجب عليه من ذلك ما لا يُطيق أداءه أبدًا لكثرته فتوبته أن يُزيل ما بيده أجمع، إما إلى المساكين وإما إلى ما فيه صلاح المسلمين حتّى لا يبقى في يده إلا أقلّ ما يُجزِئُه في الصّلاة من اللّباس، وهو ما يسترُ العورة وهو من سُرّته إلى ركبتيه، وقوت يومِه؛ لأنه الذي يجب له أن يأخذَ من مال غيره إذا اضطُّر إليه، وإن كَرِهَ ذلك مَن يأخذه منه.
وفارَق هاهنا المفلس في قول أكثر العلماء، لأن المُفلسَ لم يَصِرْ إليه أموال الناس باعتداء، بل هم الذين صيّروها إليه، فيترك له ما يُواريه وما هو هيئة لباسِه، وأبو عُبيدة وغيره يَرى ألّا يترك للمُفلس من اللِّباس إلا أقلّ ما يجزِئُه في الصّلاة، وهو ما يُواريه من سرّته إلى رُكْبَتيْه، ثُمّ كلّما وقع بيدِ هذا شيء أخرجَه عن يدِه، ولم يُمسك منه إلا ما ذكرناه، حتّى يعلَم هو ومَن يعلم حالَه أنّه أدَّى ما عليه.