اختلف الفقهاء في الانتفاع بالدين المرهون ،بين مانع ،ومبيح بشروط ، ومبيح مطلقا.

هل يجوز الانتفاع بالدين المرهون

يقول الدكتور عبد الفتاح إدريس الأستاذ بجامعة الأزهر:
فرَّق الفقهاء في هذا الصدد بين حالتين:
الأولى: حالة ما إذا أَذِنَ المَدِين للدائن في الانتفاع بالعين المرهونة.
والثانية: حالة إذا لم يأذَن له في ذلك.
-فإذا أَذِنَ المَدِين للدائن أن ينتفع بالعين المرهونة إلى وقت سداد الدين، فإن المالكية والشافعية والحنابلة يَرَونَ جوازَ انتفاعه بها إذا كانت العين مرهونةً في دَين متحصِّل من بيع أو إجارة، كثمن المَبِيع أو أجرة الدار، أو نحو ذلك، بشرط أن يكون شرط الانتفاع بالرهن منصوصًا عليه في صلب العقد، وأن تكون هذه المنفعة معلومة بالمدة.

-أما إذا كانت العين المرهونة في دَين متحصِّل من قرض فلا يجوز للدائن الانتفاعُ بالرهن وإن أَذِنَ له المَدِين؛ لما رُوي عن عليٍّ أن النبي ـ ـ قال: “كلُّ قرض جَرَّ نفعًا فهو ربًا” وما رُوي عن أنس أن النبي ـ ـ قال: “إذا أقرَض فلا يأخذ هدية” ورُوي عن أنس أنه سُئل عن الرجل يُقرض أخاه المال فيُهدِي إليه، فقال: قال رسول الله : “إذا أقرَض أحدكم قرضًا فأهدَى إليه أو حمَلَه على الدابة فلا يَركبْها ولا يَقبلْه، إلا أن يكون جرَى بينه وبينه قبل ذلك. إذ أفادت هذه الأحاديث أن المنفعة المترتبة عن القرض منهيّ عنها، وانتفاعُ الدائن بالعين المرهونة إذا رُهنت بدَين قرض هو زيادة لا يقابلها عِوَض، فيكون ربًا. ومفهوم المخالفة لهذه الأحاديث جوازُ انتفاع الدائن بالرهن إذا كانت العين مرهونةً في دَين متحصِّل عن غير القرض.
وقد أجاز الحنفية للدائن الانتفاعَ بالعين المرهونة مطلقًا، من منطلَق أن المَدِين الذي هو مالك العين المرهونة تَنازَلَ عن منفعتها للدائن، فهو تَصَرُّف منه في ملكه، وهذا التنازل كما يجوز بعِوَض يجوز أيضًا بغير عِوَض.
وقد منع بعض الفقهاء هذا الانتفاع مطلقًا حتى مع إذْنِ المَدِين في الانتفاع، مستَدِلِّين على هذا بما رُوي عن أبي هريرة أن رسول الله ـ ـ قال: “لا يَغلَق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غُنْمُه وعليه غُرْمُه”. حيث أفاد هذا الحديث أن منافع الرهن من حق المَدِين ومن ثَمّ فلا يباح للدائن شيء من هذه المنافع، ولا عبرة بالإذن الصادر من المَدِين في الانتفاع؛ لأنه لم يصدر منه عن رضًا تامٍّ، لوقوعه تحت إكراه الحاجة وضيق ذات اليد التي أجبرته على الاستدانة من الغير، فنفسُه لم تَطِبْ بالانتفاع وإن صدَر منه هذا الإذنُ به، وقد روى عن النبي ـ ـ أنه قال: “لا يَحِلُّ مال امرئ مسلم إلا بطِيبِ من نفسه”.

متى يجوز الانتفاع بالدين المرهون

يقول الدكتور عبد الفتاح إدريس الأستاذ بجامعة الأزهر: الذي أراه راجحًا من هذه المذاهب هو مذهب المانعين من انتفاع الدائن بالعين المرهونة وإن أَذِنَ له المَدِين فيه، لِمَا استدلوا به، ولعدم تمكين الدائن من استغلال حاجة المَدِين إلى المال ليأخذ منه أكثر مما أعطاه، وحفاظًا على مال المَدِين الذي حرَّم الله أَخْذَه إلا عن طيب نفس من مالكه، والواقع تحت تأثير الحاجة لا تَطيب نفسه بما يَأذن فيه من انتفاع، فإذنُه غير معتَبَر ولا ينبغي التعويل عليه شرعًا.
وأما إذا لم يأذن المَدِين للدائن في الانتفاع بالعين المرهونة، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم جواز انتفاعه بالعين المرهونة مطلقًا، لحديث “لا يَغلَق الرهن من صاحبه الذي رهَنه، له غُنمه وعليه غُرمه”.
والحق مع هذا الفريق لما سبَق قولُه في الحالة الأولى، بل انتفاع الدائن هنا أولَى بالحرمة من الحالة الأولى؛ لأن المَدِين لم يَصدر منه الإذنُ للدائن في الانتفاع بالرهن. ومن ثَمّ فإنه يحرُم على الدائن أن ينتفع بالعين المرهونة طوال مدة أجل الدين، سواء أَذِنَ له المًدِين في الانتفاع بها، أو لم يأذن له في ذلك.